كلمة أعجبتني
إن كلمة (خَتَمَ) الخاء والتاء والميم تدل على عملية ارتخاء ودفع خفيف منته بجمع متصل.
وظهر ذلك في حياتنا المعيشية عندما نريد أن نُنهي أمراً معيناً متفقاً عليه ، فنبدأ بذكر البنود
واحداً تلو الآخر ، مع وقفة عند كل واحد للتحقق والتأكد منه وتثبيته، وهذا الفعل هو دلالة
صوت (الخاء والتاء) إلى أن نصل إلى عملية النهاية فنضع البند الأخير الذي يُعطي لما سبقه
صفة التصديق، والتواصل، والإكمال والتثبيت، والاستمرار لمضمون الاتفاق دون زيادة أو
نقصان، وهذا دلالة صوت (الميم).
ومن هذا الوجه، يتم استخدام فعل (ختم) لكل عمل تم الانتهاء منه بصورة كاملة، مع
إعطائه صفة التواصل، والصلاحية والاستمرار، والتثبيت والمصداقية، وهذه الصور لفعل
(ختم) اقتضى في واقع حال المختوم؛ أن يكون الخاتَم هو الآخر ضرورة لازمة، وإلا انتفى عنه
صفة الختم . وظهر ذلك الاستخدام في ختم العقود والوثائق ، فبعد عملية الختم لا يصح أي
زيادة أو تغيير.
فمفهوم الآخر وحده؛ يدل على اية الأمر المتكلم عنه ، ولا يُفيد نفي وجود شيء بعده في
الواقع إلاّ بقرينة تُحدد ذلك، نحو قولنا : جاء زيد آخر الناس . فهذا الكلام لا يفيد نفي مجيء
أحد بعده ، لأنه من المحتمل أن يجيء إنسان بعده . فهو يُفيد الآخرية في زمن التكلم فقط،
ولا ينسحب إلى المستقبل، غير أنه لا يُفيد صفة التواصل والمصداقية والإكمال للناس الذين
سبقوه ، فكلمة الآخر؛ تدل على مجرد وصف حال الأمر من حيث هو آخر شيء حصل إلى
زمن التكلم مع احتمال استمراره.
إذاً؛ دلالة كلمة (الخاتَم) أعم وأشمل من دلالة كلمة (الآخر)، ولا يصح استخدام كلمة
(الآخر) بدل كلمة (الخاتَم) .
قال تعالى:
{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ} (يس 65(
فختم الأفواه؛ هو تثبيت وتوقيف وظيفتها على شيء كامن في داخلها يقوم به جهة أخرى،
وليس إغلاق الأفواه كما تُغلق الأبواب
بخلاف عملية الختم؛ فلابد لها من جهة أخرى تختم عليه. وعملية الختم لا يمكن أن يتم
فتحها، أو إلغائها إلا من الفاعل الذي قام بالختم . مثل إن قامت السلطات بختم محل تجاري
لوقوعه بمخالفة ما ؛ فإن قام صاحب المحل بفك الختم؛ كان فعله غير شرعي ومحاسب عليه.
قال تعالى:
{قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللّهُ سمَْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُم منْ إِلَهٌ غَيْرُ اللّهِ يَأْتِيكُم بِهِ انظُرْ كَيْفَ نُصَرفُ الآيَاتِ ثُم هُمْ يَصْدِفُونَ } (الأنعام 46
فالمختوم؛ هو شيء تم صنعته بصورة معينة، وتم إنهاءه وتثبيته على ما هو عليه، والمحافظة على
أن لا يتم عليه الزيادة أو النقصان، وإعطاءه صفة صلاحية الاستمرار.
ومن هذا الوجه لايصح أن يكون الختم في بداية الشيء أو وسطه؛ بل لابد أن يكون في آخره ضرورة.