| سيرة سيد الخلق | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 25 يونيو 2014, 11:10 | |
| عكرمة يعلن دخوله في نور الإسلام
جلس (عكرمة) بين يدي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
وقال.. يا محمد... إن هذه (يعني زوجته) أخبرتني بأنك أمَنتني..
فقال الرسول (صلى الله عليه وسلم) .. "صدقتْ.. فأنت آمن.."
فقال (عكرمة).. إلامَ تدعو يا محمد ؟
وبدأ (عكرمة) يسأل الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن الإسلام..
فقال له (صلى الله عليه وسلم) .. "أدعوك أن تشهد أن لا إله إلا الله .. وأني رسول الله .. وأن تقيم الصلاة .. وأن تؤتي الزكاة .. "
وأخذ (صلى الله عليه وسلم) يعدّد عليه أمور الإسلام..
حتى عدّ له كل خصال الإسلام..
فقال (عكرمة).. ما دعوتَ إلا إلى الحق.. وأمر حسن جميل..
وسبحان الله .. فالقلوب بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء...
ففي هذه اللحظات شعر (عكرمة بن أبي جهل)... أن كل ما ذكره حق.. وأن كل ما تحدث عنه (صلى الله عليه وسلم) قبل ذلك أيام مكة.. وبعد مكة ..كان صدقا .. وكان حقا .. وكان من كلام النبوة والوحي..
وهنا .. قال (عكرمة) .. قد كنتَ والله فينا تدعو إلى ما دعوتَ إليه.. وأنت أصدقنا حديثا.. وأبرّنا برا..
ثم قال (عكرمة) .. فإني أشهد أن لا إله إلا الله... وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله..
سبحانك اللهم ... !
وهكذا ... وفي لحظة واحدة ..
انتقل (عكرمة) من معسكر الكفر إلى معسكر الإيمان..
إنه حسن المعاملة... والرفق بالناس..
وهكذا امتلك الرسول (صلى الله عليه وسلم) قلبه في لحظات..
وكان (عكرمة) يحاول فعل شيء كي يمحوا ماضيه الأليم ..
فقال (عكرمة) .. يا رسول الله... علمني خير شيء...
فقال الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم).. "تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله"
قال (عكرمة).. ثم ماذا؟
قال (صلى الله عليه وسلم).. "أن تقول أُشهِد الله وأشهِد من حضر أني مسلمٌ ومهاجرٌ ومجاهد.."
فقال (عكرمة) هذه الكلمات..
ثم قال (صلى الله عليه وسلم) له كلمات .. رغم أن (عكرمة) مازال حديث عهد بالإسلام .. والنبي يحاول قدر المستطاع أن يقربه إلى الدين..
قال (صلى الله عليه وسلم).. "لاتسألني اليوم شيئا أعطيه أحدا إلا أعطيته لك"..
لكن (عكرمة) لم يطلب مالا ... أو سلطانا.. أو إمارة ..
وإنما طلب المغفرة ..
فقال .. فإني أسألك أن تستغفر لي كل عداوة عاديتكها.. أو مسير وضعتُ فيه.. أو مقامٍ لقيتك فيه... أو كلام قلته في وجهك.. أو أنت غائب عنه..
فقال له (صلى الله عليه وسلم) .. "اللهم اغفر له كل عداوة عادانيها .. وكل مسيرٍ سار فيه إلى موضع يريد في هذا المسير إطفاء نورك .. فاغفر له ما نال مني من عرضِ في وجهي.. أو وأنا غائب عنه"..
فقال (عكرمة) بعد أن هدأت نفسه .. رضيتُ يا رسول الله..
ثم قال (عكرمة) وهو صادق... لا أدع نفقة كنت أنفقها في صدٍ عن سبيل الله إلا أنفقتُ ضعفها في سبيل الله.. ولا قتالا كنت أقاتل في صد عن سبيل الله إلا أبليتُ ضعفه في سبيل الله..
ثم اجتهد (عكرمة) في القتال طوال حياته .. سواء في حروب الردة أو في فتوح الشام.. حتى قُتل شهيدا في معركة اليرموك ..
وانظروا كيف بدل الله حياته كاملة ... بحسن استقبال الرسول (صلى الله عليه وسلم) له.. وبتأمينه إياه.. وبغفرانه كل التاريخ الأسود الذي كان له مع المسلمين..
أليس هو القائل .. "لأن يهدي الله بك رجلا واحدا .. خير لك من أن يكون لك حُمُر النعم" | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 25 يونيو 2014, 11:10 | |
| إسلام فضالة بن عمير
كان (فضالة بن عمير) من أشد أعداء الرسول (صلى الله عليه وسلم) .. وهذا الرجل من شدة عدائه للرسول (صلى الله عليه وسلم).. قرر أن يقتل الرسول (صلى الله عليه وسلم) في وقت الفتح...!!
ورغم أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) في وسط جيش كبير (10 آلاف صحابي).. وإذا قتل (فضالة بن عمير) الرسول.. فلا شك أنه مقتول.. !
ومع كل تلك الصعوبة ..
فضّل هذا الرجل المشرك أن يضحي بنفسه ليقتل رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. !
فبينما كان (صلى الله عليه وسلم) يطوف بالبيت ..
مر بجانبه (فضالة) ..
فلما دنا من الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو يحمل السيف تحت ملابسه..
قال له (صلى الله عليه وسلم) .. " أ فضالة ؟!"
قال الرجل وهو يتظاهر بالإسلام .. نعم فضالة يارسول الله ..
قال (صلى الله عليه وسلم).. "ماذا كنتَ تحدّث به نفسك ؟!"
قال (فضالة) .. لا شيء... كنت أذكر الله..
فضحك (صلى الله عليه وسلم) .. وقال "استغفر الله"..
ثم وضع يده على صدر (فضالة) فسكن قلبه..
فكان (فضالة) يقول... والله ما رفع يده عن صدري .. حتى ما من خلق الله شيء أحب إلي منه (صلى الله عليه وسلم)..
وأسلم (فضالة)..
بل حسن إسلامه من أول لحظة ... وليس من أول يوم .. حتى إنه حين عاد من رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. رأته امرأة كان يتحدث إليها في الجاهلية ..
فقالت له .. هلمّ إلى الحديث...
قال (فضالة).. لا .. يأبى عليكِ الله والإسلام ..
وهكذا الإسلام يصنع الرجال والنساء على نهجه .. ليجعلهم مشرقين .. بعد أن كانوا غارقين في شبهات الظُلُم .. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 25 يونيو 2014, 11:11 | |
| الصراع القبلي في شبه الجزيرة العربية
بعد فتح مكة.. وإسلام معظم أهلها .. وإضافة قوتهم الهائلة إلى الدولة الإسلامية.. وهي ليست قوة بشرية أو اقتصادية فحسب.. بل هي في الأساس قوة دينية واجتماعية وسياسية وأدبية.. فقد أصبحت الكعبة المشرفة في يد المسلمين.. ولا يخفى أثر ذلك في العرب الذين كانوا يعظمونها كثيرا ...حتى في زمان الجاهلية..
فعاد إلى المسلمين الكثير والكثير من أملاكهم المسلوبة.. ومن جديد توثقت العلاقات بين الأُسر بين مكة والمدينة .. وأصبح للمسلمين وضع متميز ألقى الرهبة في قلوب كل العرب.. وبدأت الكثير من القبائل تحسب للمسلمين ألف حساب..
فليس من السهل أن تُهزم قريش.. أو أن تُفتح مكة.. أو أن يقبل سدنة الأصنام وكهنة هُبل والعُزى ومناة ...أن يدخلوا في الإسلام..
ولقد كان فتح مكة بالفعل فتحا عظيما بكل المقاييس.. ومع أن هذا الفتح ..دفع الكثير من أهل الجزيرة إلى التفكير في الإسلام.. إلا أن هناك بعض القوى الأخرى ...أخذت موقفا معاديا .. وشعرت أن هذا النمو اللافت للنظر للدولة الإسلامية ..معناه ابتلاع القبائل الأخرى خلال زمن قصير..
ومن أجل ذلك .. بدأت هذه القبائل في إعداد العُدة لحرب الدولة الإسلامية قبل أن يتفاقم الوضع.. ويصبح خارج السيطرة...
وكان من أخطر القبائل التي أخذت هذا النهج أو هذا الأسلوب ...قبيلة هَوازِن.. والجميع يعلم مدى الروح القبلية عند العرب.. ومدى انتماء كل فرد لقبيلته بصرف النظر عن الحق أو العدل.. وكان ذلك من الأمراض الخطيرة التي حاربها الإسلام منذ اللحظة الأولى لنزول الرسالة...
وإذا أردنا أن نفهم قصة هوازن مع المسلمين .. فلا بد من العودة إلى الوراء بعض الشيء... لكي نتعرف على جذور هذه القبيلة وعَلاقتها بقريش..
نحن نعلم أن العرب بصفة عامة ينقسمون إلى قسمين رئيسيين.. عدنانيين وقحطانيين.. فالعدنانيون ينقسمون إلى ربيعة ومضر.. ومضر تنقسم إلى إلياس وعيلان.. وتأتي قبيلة قريش من فرع إلياس بعد تفرعات كثيرة.. وتأتي قبيلة هوازن من عيلان بعد تفرعات كثيرة أيضا..
وكما نعلم أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) خرج من قريش.. ومع ذلك فان القبائل البعيدة عن مكة.. لديها استعداد وتفكر في الدخول في الإسلام .. أكثر من قبائل مكة نفسها .. وقد رأينا من قبل أن (أبا جهل) لم يُسلم بسبب القبلية فقط.. فهذه كانت وجهة نظره.. مع أنه قريب للرسول (صلى الله عليه وسلم)..
وعند قراءتنا لتاريخ العرب في أنساب الجزيرة .. سنعلم أن الفروع البعيدة جدا عن قريش ...كانت من أواخر القبائل التي أسلمت.. ومن أشد القبائل قسوة على المسلمين..
وأبعد الفروع عن قريش هي التي خرجت من قحطان.. فهؤلاء لم يسلموا إلا متأخرين.. مثل.. قُضاعة وطيئ ومذحج وبجيلة.. ومنهم من كان شديدا إلى درجة كبيرة على المسلمين ...مثل بني لِحيان..
لكن يشذ عن هذه القاعدة قبائل الأوس والخزرج.. إذْ أسلم هؤلاء في وقت مبكر.. ويبدو أن ذلك للجذور اليمنية لهذه القبائل.. فهم من أزد اليمن .. ونحن نعلم أن أهل اليمن يمتازون برقة القلب وقوة العاطفة.. كما في الحديث النبوي الموجود في البخاري ..
"أتاكم أهل اليمن.. أهم أرقّ أفئدة .. وألينُ قلوبا"
أما قبائل عيلان .. فهم 3 .. غطفان .. و بنو سليم .. و هوازن ..
وقد رأينا مدى المعاناة التي عاناها المسلمون من غطفان على مدار سنوات مختلفة.. وكذلك من بني سليم.. لكن هذه القبيلتان قد دخلتا في الإسلام .. ويبدو أن إسلامهما كان إسلام المضطر.. بعد ان بُهروا بقوة الإسلام... وشعروا أنه لا طاقة لهم بالمسلمين.. وقد يجتاحهم المسلمون اجتياحا مدمرا.. فلذلك آثروا السلامة... وأن يعيشوا تحت كنف الدولة الإسلامية..
وجاءت الوفود كما رأينا إلى المدينة المنورة.. وبايعت على الإسلام بعد انتصار مؤتة.. وقبيل فتح مكة المكرمة.. ولم يكن الإسلام قد تمكن كثيرا من قلوبهم..
وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يدرك هذا الأمر تماما.. لذلك سيحاول أن يتألف قلوبهم في الأيام القادمة...
والشاهد من كلامنا هذا أن فرعين مهمين جدا من عيلان أسلما وهم مضطرون.. وأعلنا هزيمتهما أمام الرسول (صلى الله عليه وسلم) .. ولم يبقَ إلا هوازن التي ظلت رافعة راية عيلان..
فلذلك كانت انتصارات الرسول (صلى الله عليه وسلم) المتكررة تمثل نذير خطر كبير على هوازن.. وقد تفاقم الأمر جدا بعد فتح مكة.. لأن منازل هوازن قريبة جدا من مكة المكرمة في الشمال الشرقي منها.. لا يستبعد أبدا أن تكون الدائرة على هوازن في المرة القادمة...
وعندما ننظر نظرة تحليلية في داخل هوازن نفسها .. نجد أن هوازن أيضا قبائل كثيرة جدًا.. لكن من أشهرها ثلاث قبائل.. وهم بنو نصر.. وبنو سعد الذين أرضعوا الرسول (صلى الله عليه وسلم) ومنهم حليمة السعدية.. والقبيلة الثالثة وهي خطيرة جدا ومشهورة.. وهي قبيلة ثقيف..
وإذا كان التجمع الرئيسي لهوازن في الشمال الشرقي من مكة .. نجد أن ثقيف اختارت لها مدينة أخرى تعيش فيها.. هي الطائف جنوب شرق مكة.. واستقرت فيها منذ قديم الزمان..
وكانت ثقيف من أهم القبائل العربية مطلقا.. ومن أقواها .. بدليل أن مدينة الطائف هذه هي المدينة الثانية في الجزيرة العربية بعد مكة .. فعندما قال الكفار كما في القرآن الكريم ..
(وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)
كانوا يقصدون قريتي مكة والطائف... وأعظم سادة في الجزيرة العربية سادة مكة والطائف.. أي سادة قريش وثقيف..
ومن الأدلة على أهمية ثقيف وقوتها .. ذيوع شهرة الصنم الذي يُعبد فيها وهو اللات.. وهو من أشهر أصنام العرب كما يعرف الجميع.. كذلك صنم العُزَى.. الذي يقع في منطقة نخلة داخل أملاك هوازن..
ونحن نعلم أن العرب بشتى طوائفهم ...كانوا يُقسمون باللات والعزى..
وقد ورد ذكرهما في القرآن الكريم عندما قال الله...
(أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ وَالْعُزَّى)
وهذان الصنمان لهوازن.. واحد في ثقيف.. والآخر في بني نصر وبني سعد.. لذلك .. فقد كانت ثقيف تشعر بمساواة دائمة مع قريش.. بل إنها كانت تشعر بالتفوق عليها عسكريا واقتصاديا وعدديا.. فقد كانت أراضي الطائف جيدة جدا.. والتجارة فيها رائجة.. لولا أن قريش كانت ترعى البيت الحرام المعظَم عند العرب.. وهذا كان يرفع منزلة قريش عند العرب فوق ثقيف..
لكن ذلك لم يغير من العلاقة القبلية المتنافرة بين القبيلتين الكبيرتين.. وعلى هذا فقد كان إسلام ثقيف صعبا جدا.. وهذا الكلام يفسر لنا العداء الشديد الذي قوبل به رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عندما ذهب إلى الطائف.. لأنه في نظرهم قرشي.. وقد رأينا أنه لم يسلم في هذه الزيارة ثقفي واحد.. فقد تأخر إسلامهم كثيرا.. ومعظمهم لم يؤمنوا إلا في العام التاسع من الهجرة.. والذين أسلموا قبل ذلك كانوا قليلين جدا،..ومعدودين على الأصابع.. كان منهم (المغيرة بن شعبة الثقفي).. والكلام نفسه يصدق على هوازن وبني سعد.. فلا تجد أحدا منهما أسلم حتى العام الثامن أو التاسع من الهجرة... فمعظمهم قد أسلم في أخريات العام الثامن... هذه إذن نفسية هوازن بفروعها الثلاث الرئيسية.. بني نصر وبني سعد وثقيف..
وأعتقد أن هذه المقدمة ستفسر لنا كثيرا جدا من المعارك المهمة القادمة.. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 25 يونيو 2014, 11:11 | |
| مالك بن عوف النصري يوحد قبائل هوازن
ظهرت في قبيلة هوازن في الفترة التي سبقت فتح مكة مباشرة.. وأثناء فتح مكة ...شخصية هوازنية قلبت الموازين في هذه القبيلة الكبيرة.. وغيرت كل شيء فيها.. هي شخصية (مالك بن عوف النصري)... من بني نصر من هوازن...
وأمثال هذه الشخصية كثير في التاريخ.. فهذا الرجل كان شابا لم يبلغ الـ 30 من عمره بعد.. لكنه كان يملك ملكات قيادية متميزة.. وعنده علم كبير بالخطط العسكرية... والفنون القتالية.. كما كان خطيبا مفوها.. له قدرة كبيرة على التأثير في الناس.. كما كان يتميز بقدرته الفائقة على حشد وتجميع الطوائف المختلفة لأداء مهمة معينة.. ولديه طاقات هائلة.. لكن للأسف .. كلها موظفة في الشر ..
بدأ (مالك بن عوف) يجمع كل فروع هوازن تحت راية واحدة.. وهذا حدث فريد في تاريخ هوازن.. فهذه هي المرة الأولى التي تتجمع فيها بطون بني نصر وبني سعد وثقيف تحت راية واحدة.. وهذا يدلنا على مدى كفاءة هذا القائد..
فجمع منهم .. 25 ألف مقاتل .. !!
وهذا أكبر رقم يُجمع في معركة واحدة في تاريخ العرب ..
لكن على أي شيء جمعهم؟!
لقد جمعهم على شيء واحد فقط... هو القِبيلة .. فنحن من هوازن .. ومحمد (صلى الله عليه وسلم) من قريش.. مع أنه (صلى الله عليه وسلم) ما سعى مطلقا إلى تجميع القرشيين ضد القبائل العربية الأخرى..
وأقنع (مالك بن عوف) قبيلته .. من أن القبيلة فوق كل شيء.. وقبل كل شيء.. وأن عز القبيلة مُقدم على الحق والعدل والقيم والمثل العليا ..
ولو تلاحظون .. أن فكرة القومية هي فكرة بعض الناس في يومنا هذا.. أو بما يسمى (الوطنية) .. حين يتم تقديم مصلحة الوطن .. أو مصلحة الفرد .. أو مصلحة المجتمع .. على مصلحة الحق.. فالوطنية تقول .. إذا خاض الوطن أو القوم حربا ظالمة.. فأنا معهم.. بعذر أن مصلحة الوطن مقدمة على الحق والعدل.. وهذا الكلام سقيم و لا وزن له عند رب العالمين..!
وليس معنى ذلك أن فكرة حب القوم أو الوطن مرفوضة إسلاميا .. أبدا .. بل على العكس.. إذْ إن حب الأهل والعشيرة فضيلة يحض الإسلام عليها.. لكن بشرط ألا تكون على حساب الدين والحق والعدل..
اسمع لكلام المولى إذ يقول في كتابه الكريم
(قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)
ففي هذه الآية الجامعة .. وضح لنا ربنا أن تقديم الأهل والعشيرة وتقديم المساكن (الوطن) على أمر الدين.. هو نوع من الفسق..! ومن يفعله فعليه أن ينتظر العقاب من رب العالمين.. والعقاب مخيف جدا... لدرجة أن ربنا قد أخفاه ولم يبينه لزيادة الرهبة ..
(فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ)
ولقد أمرنا الله أن نصل آباءنا وأجدادنا وأهلنا ولو كانوا مشركين.. لكن إذا تعارض الأمر مع الدين... فلا بد من مفاصلة.. إذا تعارض الأمر مع الحق والعدل... فلا بد من المفاصلة..
قال الله تعالى
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا فَإِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)
فالوضع عند أهل القومية والوطنية .. وعند (مالك بن عوف النصري) .. كان على خلاف ذلك.. فهو على علمٍ يقيني.. وهو بليغ من أهل اللغة.. بأن القرآن حق وأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) صادق.. غير أنه ضحى بهذا الحق والدين .. في مقابل إعلاء القومية الهوازنية..
وهذه هي الجاهلية بعينها.. وكل من دعا إلى هذا الفكر... فهو يدعو إلى فكر جاهلي...
وهذا ليس كلامنا .. بل هو نفسه كلام رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..
"من قاتل تحت راية عُميّة يغضب لعصبة ...أو يدعو إلى عصبة ..أو ينصر عصبة.. فقُتل .. فقتله جاهلية.."
أي لا يدري لأي سبب أو هدف يقاتل.. فهو يغضب من أجل عائلته أو قومه..
وفي حديث نبوي آخر في سنن أبي داود ..
"ليس منا من دعا إلى عصبية .. وليس منا من قاتل على عصبية .. وليس منا من مات على عصبية"
فالكلام إذن في منتهى الوضوح.. وكانت هذه أول نقطة سلبية عند (مالك بن عوف).. الذي يدعو إلى قومية وقبلية.. بصرف النظر عن مواطن الحق والعدل..
| |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 25 يونيو 2014, 11:12 | |
| سلاح (مالك بن عوف) الإعلامي
أما النقطة السلبية الثانية... فقد كانت خطيرة جدا..
فـ (مالك بن عوف) يستخدم البلاغة وحسن البيان في خداع الناس.. وهو يوهمهم بخلاف الواقع.. ويغرر بشعبه ..
ولقد وقف فيهم قائلا .. إن محمدا لم يقاتل قط قبل هذه المرة... وإنما كان يلقى قوما أغمارا لا علم لهم بالحرب فيظهر عليهم.. أما نحن فأهل الحروب... وإذا التقينا سيكون الظفر لنا..
وهذا الخطاب من الخداع غير المقبول بالمرة ...لشعب ساذج حقا.. شعب هوازن الذي كما يبدو ...كان شعبا معزولا عن العالم الخارجي.. لا يقرأ.. ولا يكتب.. ولا يرى.. ولا يسمع..
وإلا فما كان من السهل أن يُخدع بهذه الصورة...؟!
وهذا يذكرنا .. بحالنا نحن العرب قبل الانفتاح على الانترنت .. !
لكن ..
أي أقوام أولئك الذين لقيهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..، وكانوا أغمارًا ..لا علم لهم بالحرب؟!
هل قريش التي هُزمت منذ أيام في عقر دارها ..أو قبل ذلك في بدر والأحزاب ..لا علم لهم بالحرب؟
هل غطفان التي اكتسحت في ديارها فأذعنت وأطاعت وسلَّمت وأسلمت ..لا علم لها بالحرب؟
هل اليهود من بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة..بل في خيبر ..لم يكن لهم علم بالحرب؟
هل الرومان وأعوان الرومان من نصارى العرب بأعدادهم الهائلة وأسلحتهم المتقدمة.. وتاريخهم الطويل في الحروب... وخبرتهم الفائقة فيها.. هل كل هؤلاء لم يكن لهم علم بالحرب؟!
حقًا إن شعبا لا يدرك أحوال الدنيا حوله... لجدير أن يُدلس عليه.. ويُسخر منه ويُهزم ويُذل..
نعم .. فقد خدعهم (مالك بن عوف) بكلامه المعسول وخطابه البلاغي..
فقبلت هوازن أن ترى الدنيا .. بعيون (مالك) ..
فكان لا بد لها أن تدفع الثمن باهظا.. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 25 يونيو 2014, 11:13 | |
| أنانية (مالك بن عوف)
لم يقم (مالك بن عوف) وزنا يُذكر لشعبه ...
مع أنه في الظاهر يعمل لشعبه..!
فهو لم يكن لديه أي مانع أن يضحي بشعبه كله من أجل تحقيق المجد الشخصي له..
فماذا فعل ؟!
لقد أمر (مالك) أن تؤخذ النساء والأطفال والأنعام والأموال..
وكل ممتلكات شعب هوازن معه إلى أرض القتال..
فتوضع خلف الجيش... تحفيزا للجيش على الحرب ..!
فكأنه يقول لهم... إذا انهزم جيش هوازن...
أو فر من أرض القتال..
فسيستولي المسلمون على كل ممتلكات هوازن...
ولا شك أن (مالكا) لم ينظر بالمرة إلى احتمالية الهزيمة...
مع أن هذا أمر وارد في أي معركة..
فلا يوجد مانع أن يدفع الشعب كله.. رجالا ونساء وأطفال.. ثمنَ تحقيق النصر لـ (مالك بن عوف)..
ليحقق مجده الشخصي...!
وهذا ما يفعله بعض القادة اليوم .. حين يكون له القدرة والاستعداد للتضحية بجميع شعبه ..
لأجل منفعة لايراها غيره ..
كان (مالك بن عوف) دكتاتورا لا يستمع لرأي الآخرين.. ولو كانوا من الخبراء..
كما أخبر الله تعالى عن فرعون الذي كان يقول لقومه
(مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ)
ولقد حاول بعض الخبراء العسكريين في هوازن ... أن يبعدوا عن ذهنه قرار أخذ النساء والأطفال والأنعام والأموال إلى أرض المعركة.. لكنه أصر إصرارا عجيبا..
وقد نقلت لنا كتب السيرة حوارا دار بينه وبين (دريد بن الصِمة) .. أحد المخضرمين عسكريا في هوازن.. وكان عمر (دريد) أكثر من 100 سنة ..! ولقد تعجب لاصطحاب كل ممتلكات هوازن في أرض القتال..
فسأل (مالك) عن ذلك..
فقال مالك..أردتُ أن أجعل خلف كل رجل أهله وماله.. ليقاتل عنهم..
فغضب (دريد) غضبا شديدا.. وقال له .. راعي ضأن والله..
أي أنت لا تعدو إلا أن تكون راعيا للغنم.. والله ما تصلح للقيادة العسكرية.. ثم ذكر له وجهة نظره.. وكانت وجهة نظر صحيحة..
فقال (دريد).. وهل يرد المنهزمَ شيء ؟! إنها إن كانت لك لم ينفعك إلا رجل بسيفه ورمحه.. وإن كانت عليك.. فُضِحت في أهلك ومالك..
ثم قال (دريد) .. إنك تقاتل رجلا كريما (يعني محمد).. قد أوطأ العرب.. وخافته العجم.. وأجلى اليهود..
فـ (دريد) قدّر قوة الرسول (صلى الله عليه وسلم) تقديرا سليما.. وقال الرأي الأصوب..
مع ذلك .. لم يأخذ (مالك) بمشورته.. ولم يسمع له.. لأنه لم يكن يرى إلا رأيه فقط..
لكن .. لم ييئس (دريد) .. واستمر معه في الحوار.. فسأله .. ما فعلت كعب وكلاب؟..
فهو يسأل عن آراء الخبراء من قومه أفضل بطون هوازن عسكريا.. وفيهم العدد والعُدة.. يود أن يعرف رأيهم في هذه الكارثة التي قد تحدث بعد قليل..
فرد عليه الحاضرون... لم يشهدها منهم أحد..
أي لم يحضر أحد منهم المعركة..
فقال (دريد) وقد ازداد يقينا برأيه... غاب الحدُ والجد .. ولو كان يوم علاء ورفعة.. لم تغب عنه كعب وكلاب..
ثم نصح (مالك) مرة ثانية.. لكن رفض الاستماع إليه ..
وتلك حالة مشابهة لبعض الحكام الدكتاتوريين الذين لايرون أبعد من أنوفهم ..
| |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 25 يونيو 2014, 11:14 | |
| مكر (مالك بن عوف)
كان (مالك نبن عوف) يتلاعب بعواطف الناس بصورة هزلية تؤثر في العامة.. فهو يستغل الأزمات التي تحدث للأمة في صالحه..
فماذا فعل عندما رأى توجّها في القبيلة لعزله؟
حينما شعر أن هناك ميلا شعبيا لتخطئته في قضية صحبة النساء والأطفال والأنعام إلى أرض المعركة.. وقف يخطب فيهم كأنه ممثل كبير على مسرح درامي..
يهددهم بأنه سيترك منصبه.. والله لتطيعُنني يا معشر هوازن أو لأتكئن على هذا السيف حتى يخرج من ظهري..!
والشعب مخدوع.. فقد أُقنع قبل ذلك أن هذا هو الزعيم الأوحد.. وأنه حبيب الملايين.. وأنه صاحب الإنجازات الضخمة.. وأن الحياة لا تستقيم بدونه.. فكيف يعيشون من غيره ؟!
وكأني بشعبه الساذج يخرج في مظاهرات يطلب من (مالك) ألاّ يتنحى مهما كان الثمن.. ونسي الشعب المصائب التي فعلها (مالك).. وما سيفعله بعد قليل..
وإزاء هذا الضغط الشعبي الجارف.. اضطر مالك أن يقبل زعامة هوازن رحمةً بهم..
أما الناصح الخبير (دريد) ... فقد توجه بكلمة إلى الشعب..
قال لهم فيها.. يا معشر هوازن... والله ما هذا لكم برأي.. إن هذا فاضحكم في عورتكم (يقصد النساء والذرية والأطفال) وممكّن منكم عدوكم.. ولاحق بحصن ثقيف وتارككم.. فانصرفوا واتركوه..
تأمل هذه النظرة العميقة لـ (دريد).. فالقادة من هذه النوعية سيتركون شعوبهم في الأزمات.. ويلحقون بالأمان في حصون وقلاع. وقد يغادرون البلاد إلى غيرها.. حيث أصدقاؤهم من الزعماء..
فالشعب المسلوب الإرادة قد افتقد أي قدرة على الإبصار.. واتبع (مالكا) فيما يرى..
لذلك .. أحضر كل رجل من هوازن كل ما يملك. ووضعه خلف الجيش المقاتل..
وخرج مالك بالجيش إلى سهل أوطاس بالقرب من (حُنين) .. وبدأ بالفعل في تنظيم الجيوش هناك.. ووضع الكمائن على جانبي سهل حنين حيث سيمر المسلمون..
ولأن (مالك) له قدرة عسكرية فذة.. وقدرة على تنظيم الصفوف والترتيب للحروب.. فقد رتب جيشه في صفوف متوازية.. ووضع الخيل في المقدمة.. ثم الرجّالة خلفهم .. ثم وضع النساء فوق الإبل خلف الرجال.. لكي يوهم المسلمين أن هناك من الرجال عدد كبير فوق الجمال.. فيتزايد العدد إلى الأضعاف.. ويؤثر ذلك سلبا في نفسية المسلمين..
ثم رتب بعد ذلك الغنم .. ثم النّعم ..
فكان بالفعل ترتيبا عسكريا في غاية الإتقان..
حتى إن (أنس بن مالك) يصف جيش هوازن بقوله متعجبا.. فجاء المشركون بأحسن صفوف رأيت. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 25 يونيو 2014, 11:15 | |
| إعداد الرسول لحرب هوازن
لقد نقلت المخابرات الإسلامية بسرعة إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) أخبار هوازن.. واستعدادها للحرب..
وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) وقتئذ في مكة.. فأرسل الرسول (صلى الله عليه وسلم) مباشرة ..الصحابي (عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي) .. للتأكد.. فجاء بتأكيد ذلك.. كما ذكر أحد المسلمين لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. أن هوازن قد جاءت على بكرة أبيهم بنسائهم ونعمهم وشائهم..
وكان رد فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) جميلا جدا..
فقد تبسم (صلى الله عليه وسلم) .. ثم قال.. "تلك غنيمة المسلمين غدا إن شاء الله"..
سبحان الله .. يقين في النصر..!
وبدأ الرسول (صلى الله عليه وسلم) في إعداد العُدة لهذا الموقف الخطير.. وكان إعداده (صلى الله عليه وسلم) فعلا على أعلى مستوى...
أولا
قرر الخروج للقتال في مكان متوسط بين هوازن ومكة.. فقد آثر ألا ينتظر بمكة... وفي ذلك حكمة كبيرة جدا... لأنه لو بقي في مكة وغزاها مالك بن عوف بجيشه.. فقد يتعاون أهل مكة معه... نحن نعلم أن أهل مكة حديثو عهد بشرك وجاهلية.. وهذه كارثة.. لأن الحرب بذلك ستصبح من الداخل والخارج.. ومن ثم فضّل الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن يخرج بجيشه ..إلى مكان مكشوف بعيد عن مكة.
ثانيا
قرر (صلى الله عليه وسلم) أن يخرج بكامل طاقته العسكرية.. ويأخذ معه الـ 10 آلاف مقاتل الذين فتح بهم مكة ...لأن أعداد هوازن ضخمة وكبيرة..
ثالثا
أخذ معه من داخل مكة المكرمة المسلمين الطلقاء الذين أسلموا عند الفتح.. وعددهم 2000 مسلم .. وفي ذلك بُعد نظر كبير من الرسول (صلى الله عليه وسلم).. فهؤلاء إن تركوا في مكة... قد ينقلبون إلى الكفر مرة ثانية.. وقد ينفصلون بمكة عن الدولة الإسلامية.. خاصة إذا تعرض المسلمون لهزيمة من هوازن... ومعنى خروجهم مع المسلمين أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) يقربهم ويثق فيهم.. وهذا أدعى إلى تثبيت أقدامهم في الإسلام.. إضافة إلى وجود غنائم كثيرة.. وهو (صلى الله عليه وسلم) متيقن بالنصر.. فإذا أعطاهم (صلى الله عليه وسلم) من هذه الغنائم... سيكون ذلك تأليفا لقلوبهم.. لذلك .. أصبح الجيش الإسلامي الآن .. 12 ألف مقاتل ..
رابعا
لم يكتفِ الرسول (صلى الله عليه وسلم) بسلاح الجيش الإسلامي الذي فتح به مكة .. مع كون هذا السلاح من الأسلحة الجيدة والقوية جدا.. بدليل انبهار أبي سفيان به عند رؤيته للجيش الإسلامي.. كما لم يكتفِ بسلاح المسلمين من الطلقاء.. وإنما سعى إلى عقد صفقة عسكرية كبرى لتدعيم الجيش الإسلامي..
فقد ذهب (صلى الله عليه وسلم) بنفسه إلى تجار السلاح في مكة .. وكان على رأسهم (صفوان بن أمية.. ونوفل بن الحارث بن عبد المطلب.. وكان هذان الاثنان لا يزالان على شركهما وقتئذ.. فطلب منهما السلاح على سبيل الاستعارة بالإيجار والضمان..
حتى إن (صفوان بن أمية).. سأل الرسول (صلى الله عليه وسلم) وهو لم يزل على كفره.. أغصبٌ يا محمد؟ ..
قال (صلى الله عليه وسلم) .. "بل عاريةُ مضمونة"
أي أنا أستعيرها بالإيجار... وأضمن عند ضياع بعضها أن أعوّضك عن هذا الفاقد.. هذا مع أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو الزعيم المنتصر.. و(صفوان بن أمية) هو أحد القادة المهزومين... لكن الرسول(صلى الله عليه وسلم) كان عادلا في كل أموره.. ولم يكن يستحل مال مُعاهد بأية صورة من الصور.. و (صفوان) كان ما زال مشركا .. ولم يفكر حتى في الدخول إلى الإسلام..
والشاهد في هذه القصة .. أن إعداد الجيش الإسلامي كان على أفضل الصور الممكنة.. كما أنه (صلى الله عليه وسلم) قد اصطحب معه تجار السلاح (نوفل وصفوان).. وذلك لكي يحموا أسلحتهم... ويحملوها للمسلمين...!
وقد يسأل بعضنا... لماذا قبل الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن يستعين بالمشركين في هذه المعركة.. ورفض أن يستعين بهم في بدر قبل ذلك.. حين قال "لااستعين بمشرك" ؟!
الجواب هو أن الظرف كان مختلفا.. فالنصر في بدر كان من الممكن أن يُنسب للمشركين لقلة أعداد المسلمين وعدم استقرار دولتهم..
أما الآن... فلا يدعي أحد أبدا أن نصر المسلمين وعددهم 12 ألف مقاتل.. كان بسبب الأفراد المشركة المعدودة في الجيش الإسلامي.. لهذا فالرسول (صلى الله عليه وسلم) لم ير مشكلة أن يأخذ معه بعض المشركين..
ويجب أن نضع في اعتبارنا ..أن هؤلاء المشركين لن يأخذوا من الغنيمة.. لكن سيعطيهم (صلى الله عليه وسلم) أجرا على عملهم هذا بالاتفاق..
خامسا
اهتم الرسول (صلى الله عليه وسلم) اهتماما كبيرا بالحراسة الليلية للجيش الإسلامي.. لئلا يُباغت فجأة... ووضع عليها الصحابي (أنس بن أبي مرثد)..
سادسا
اهتم الرسول (صلى الله عليه وسلم) كثيرا بالحالة المعنوية للجيش الإسلامي.. فقد بشرهم كما ذكرنا أن جيوش هوازن ستصبح غنيمة للمسلمين إن شاء الله.. ولا ننسى أن المسلمين قد ذهبوا إلى حُنين ومعنوياتهم مرتفعة.. لأنهم قد حققوا انتصارا عظيما مهيبا منذ أيامٍ ...عندما فتحوا مكة المكرمة.. وهي من أعظم المدن وأشرف الأماكن. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 25 يونيو 2014, 11:24 | |
| الجيش الإسلامي يتوجه إلى وادي حنين
توجه الجيش الإسلامي إلى وادي حنين .. حيث جموع هوازن هناك .. يوم 6 شوال من سنة 8 هـ .. ووصل الجيش إلى المنطقة يوم 10 من شوال ..
وفي أثناء الطريق .. وبينما كان الجيش يمشي في صورته البهية ..
قال بعض المسلمين الجدد من الطلقاء .. أي من أهل مكة .. كلمة تعبّر عن مرض خطير سرعان ما انتشر في الجيش بكامله بلا استثناء.. كما تنتشر النار في الهشيم..
وهذه الكلمة كانت في ظاهرها تبدو كأنها بسيطة.. لكن كان لها من الأثر ...ما لم يتخيله المسلمون أبدا ..
فقد قال أحدهم .. لن نُغلب اليوم من قلة...!
وكأنهم يقولون .. هذه أفضل عدة وعدد سار فيها المسلمون.. وإذا كان المسلمون قد فتحوا مكة بـ 10 آلاف مقاتل .. فهم اليوم 12 ألف مقاتل.. !
ونسى أولئك المسلمون .. أن الجيش الذي لن يُهزم بسبب قلة العدد.. فمن الممكن أن يُهزم لأسباب أخرى.. فقد يهزم لأسباب مادية.. أو لأسباب قلبية.. وقد يكون هناك إعداد عسكري أو قوة سلاح .. لكن هناك خلل في الخطة .. أو عدم مهارة في القيادة..
ولا شك أن الصحابة وغيرهم من الصالحين .. لو سُئلوا سؤالا مباشرا.. هل النصر من عندك أم من عند الله؟ فلا شك أن الجميع سيجيب وبلا تردد.. بل هو من عند الله..
لكن هذا الشعور الخفي... شعور الإعجاب بالنفس والغرور... يتسلل إلى النفس بلطف شديد... فلا يشعر به المؤمن إلا وقد تفاقم..
ومن الجدير بالذكر أن الإعجاب بالنفس ليس هو الثقة بالنفس.. فالثقة بالنفس أمر محمود.. بينما الإعجاب بالنفس أمر مذموم.. والثقة بالنفس أمر مطلوب لكي ينتصر الجيش.. وبأنك تستطيع أن تفعل ما بوسعك .. لكن لا يجب أن تزيد الثقة بالنفس حتى تصل إلى درجة التوكل على النفس.. وليس التوكل على الله..!
والفارق بين الثقة بالنفس والإعجاب بالنفس ...شعرة.. والموفّق هو من وّفقه الله..
وهذا هو المرض الذي حذرنا الله منه ..
(وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ)
فالعجب بالكثرة والكِبر وحب الدنيا والحسد .. أمراض معدية بالفعل .. وإن لم تعالج في حينه .. فستنتشر كالوباء بين الناس..
(لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلأَوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)
فيأتي هنا دور الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر ... كي يصلحوا من شأن المجتمع.. لأن عامة الطلقاء لم يكونوا منافقين محترفي النفاق.. لكنهم كانوا حديثي عهد بالجاهلية.. ولم يمروا بتجارب إيمانية كافية.. ولم يعيشوا في المحاضن التربوية إلا قليلا.. وهذا أمر توقع منهم .. لكن الأخطر .. أن هناك من يسمع لهم من الصف المؤمن .. (وفيكم سمّاعون لهم)..!
فقد استمع المسلمون السابقون إلى هذه الكلمات... وتأثروا بها.. وتلك هي المشكلة ..
نكمل القصة ..
أتجه الجيش الإسلامي اتجه إلى حنين .. وهو متيقن أن النصر حليفه.. ليس لأن الله معه... لكن لأنه كثير العدد....! هكذا بصراحة... فهذا المرض القلبي الخطير قاد إلى شيء خطير آخر... هو الثقة الزائدة بالنفس.. مما يدفع الإنسان إلى عدم الاكتراث بقوة عدوه.. وعدم التأكيد على سير العملية العسكرية بالصورة التي ينبغي أن تكون عليها.. فظهر بعض القصور في أداء المسلمين...
كيف ظهر ذلك القصور ؟!
فالمسلمين قد خرجوا من مكة المكرمة بعدة بهية.. وجيوش قوية.. وبإعداد على أحسن مستوى.. لكن عندما أعجبوا بكثرتهم .. أتاهم الله من القواعد .. فلم تعمل المخابرات الإسلامية كما يجب بدقة كافية .. و لم تكتشف العيون الإسلامية الكمائن التي زرعها (مالك بن عوف) حول وادي حنين..
وفوق ذلك كانت خطوات الجيش الإسلامي متثاقلة.. وهو في طريقه إلى حنين .. فبرغم أن الجيش الإسلامي خرج من المدينة إلى مكة ليفتحها .. 500 كم في 10 أيام فقط.. إلا أن المسافة بين مكة وحنين 20 كم .. فقطعها في 3-4 أيام .. !! إذ خرج الجيش من مكة في 6 شوال .. فوصل حنين في 10 شوال .. ! وكان عليه قطع تلك المسافة في نصف يوم فقط ..
فلماذا هذا البطء في السير ؟!
هذا التأخير في الحركة ...مرجعه في الأساس عدم الاكتراث بالعدو.. لشدة الثقة في النفس...! بالطبع هذا أمر خطير... وبالتالي .. وصل جيش (مالك بن عوف) إلى حنين قبل المسلمين .. ونشر قواته في الأماكن المناسبة... واحتل المواقع الاستراتيجية واستراحت جيوشه بصورة كافية قبل اللقاء... وكل ذلك كان في صالح المشركين..
ولو عدنا بالذاكرة إلى الوراء قليلا .. بالتحديد في غزوة بدر .. نجد أن المسلمين عندما وصلوا إلى أرض القتال قبل المشركين .. فاستطاعوا أن يأخذوا الأماكن المناسبة.. واحتلوا المواقع الاستراتيجية... وكان هذا سببا من أسباب النصر..
وكان من الممكن يقول (صلى الله عليه وسلم) خطبة بين المسلمين .. تشعرهم بحجم المأساة التي ستحدث لهم إذا أصيبوا بداء العجب.. لكن لم يرد الله ذلك .. لأنهم لو خرجوا من المشكلة بكلمة أو خطبة ولم يصابوا بمصابٍ فادح.. سيتسلل المرض أكثر وأكثر إلى قلوبهم... فلا بد من مصيبة تهز المسلمين... وتوضح لهم الرؤية.. كي لا يتكرر الخطأ .. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 25 يونيو 2014, 11:24 | |
| يوم حنين ودرس لا ينسى
لقد حدثت كارثة...
فما هي إلا دقائق من دخول الجيش الإسلامي في وادي حنين .. حتى انهالت عليه الأسهم والرماح من كل مكان.. وثارت خيول هوازن في وجوه المسلمين.. وخرجت فرق هوازن من هنا وهناك.. وأحيط بالمسلمين من كل مكان... فخارت عزائمهم في لحظات..
سبحان الله .. !
عمالقة في الحروب فترت همتهم جميعا إلا أقل القليل..
وأخذ معظم الجيش قرارا واحدا في لحظة واحدة.... وهو الفرار...!
الفرار العشوائي في أي اتجاه..
ليسوا متحرّفين لقتال.. أو متحيزين إلى فئة... ولا مقاومة.. ولا محاولة.. و لا تفكير.. لا شيء إلا الفرار..
كانت صدمة في غاية القسوة.. بل أشد من صدمة أحد ..
ففي أُحد خالف بعض رجال الجيش... وثبت بعضهم.. وقاتل بعضهم حتى الشهادة.. أما هنا فلم يثبت من المسلمين إلا قلائل.. من أصل 12 ألف مقاتل ..!!!
يقول ابن هشام .. إنهم كانوا نفر من المهاجرين والأنصار وأهل بيته (صلى الله عليه وسلم)..
وهذه كارثة خطيرة ..
وشعر المسلمون أن الصحراء الواسعة أصبحت ضيقة جدا لا تسمح بالفرار.. ولسان حالهم جميعا يقول.. نفسي نفسي..
وتأمل كلام الله وهو يصف حالة الجيش الإسلامي في أول لحظات يوم حنين ..
(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ)
مصيبة حقيقية ...أن ينزع الله نعمة الثبات من فرد أو جماعة أو جيش أو أمة.. فالثبات هبة من رب العالمين..
وهو القائل ..
(يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ)
وكل الناس تحتاج إلى الثبات حتى الأنبياء..
(وَلَوْلاَ أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلاً)
والله لا يُعطي الثبات إلا لمن ارتبط به حقًا.. ولمن هو خالص النية.. سليم القلب... حسن العمل..
وكان الموقف يوم حنين مذهلا بالفعل..
فيُروى أن (أبا قتادة الخزرجي) لقي (عمر بن الخطاب).. فقال له في ذهول: ما بال الناس؟! فلم يجد (عمر) ردا .. إلا أن قال: أمر الله ..!
ولعل هذا من أعمق الدروس في تاريخ الصحابة أجمعين.. وهو درس لا ينسى.. وقد نفعهم بعد ذلك ولسنوات طوال في حروب كثيرة دارت مع الفرس والروم وغيرهما .. وما فر المسلمون الذين شهدوا حُنينا بعد ذلك.. فكلهم أيقنوا وفقهوا جيدا أن النصر ليس بالعدد ولا بالعدة.. وإنما بنصر رب العالمين للجيش..
و (عمر) الذي كان مذهولا ذلك اليوم.. لا يدري ماذا حدث للمسلمين.. أدرك على الفور سبب الفرار.. وخلفيات الهزيمة.. واحتفظ بالدرس العظيم.. مع أنه كان ممن ثبتوا ولم يفر قدر أنملة ...
لذلك .. ترى (عمر) بعد سنوات طويلة من غزوة حنين .. يرسل رسالة إلى جنوده في فارس .. يشرح لهم أسباب النصر ..
فيقول لهم .. إنكم لا تُنصرون على عدوكم بقوة العدة والعتاد... إنما تنصرون عليه بطاعتكم لربكم ومعصيتهم له.. فإن تساويتم في المعصية... كانت لهم الغلبة عليكم بقوة العدة والعتاد..
لكن المسلمين يوم حنين .. نسوا قول الله ..
(كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)
فخارت قواهم .. وتسلل الخوف إلى قلوبهم .. ثم فروا .. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 25 يونيو 2014, 11:25 | |
| مواقف الطلقاء يوم حنين
في هذا الموقف الصعب ...تباينت مواقف الطلقاء من أهل امكة.. فمنهم من صرح بكفره بعد أن كان متظاهرا بالإسلام... مثل (كلدة بن الحنبل) .. لكنه أسلم بعد ذلك وله صحبة..
فهذا الرجل .. قال في ذلك اليوم .. ألا بطل السِحر اليوم..!
فهو يتهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) بالسحر.. مع أنه خارج مع المسلمين على أنه مسلم..!
ومن الطلقاء من لم يكتفِ بالكفر.. بل حاول قتل الرسول (صلى الله عليه وسلم)..! مثل (شيبة بن عثمان) .. وبفضل الله أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه..
ومنهم من تردد في الأمر فلم يعرف أين الحقيقة ... مثل (سهيل بن عمرو) ..
لكن منهم .. ونحن نتحدث عن الطلقاء .. ثبت على إسلامه بشكل عجيب .. على الرغم أنه لم يمض على إسلامه أسبوعين أو ثلاثة .. ! مثل من .. مثل (عكرمة بن أبي جهل) ..!
وتعالوا بنا لكي نرى الفهم الراقي عند (عكرمة).. وفهمه للإسلام وللنصر وللهزيمة... في حوار لطيف .. دار بينه وبين (سهيل بن عمرو) ..
فقد قال (عكرمة) عندما رأى فرار المسلمين .. هذا بيد الله... ليس إلى محمد منه شيء...!
الله الله ...
أي أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليس هو السبب... أي أن النصر والهزيمة بيد الله... أي أن محمدا (صلى الله عليه وسلم) صادق .. بل أن (عكرمة) .. قال بعدها كلاما أجمل ... لاينطق بها إلا من عاش سنوات وسنوات في الإسلام ..
قال .. إن أديل عليه اليوم... فإن له العاقبة غدا..!
سبحان الله .... !
فكأن (عكرمة) يعلم بل ومتيقن .. أن الأيام دول بين الناس .. فإذا هُزم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اليوم .. فلا شك أن النصر سيكون حليفه مستقبلا ..
ولأن (عكرمة) تكلم بهذا اليقين .. تعجب منه (سهيل بن عمرو).. فقال.. والله إن عهدك بخلافه لحديث...
أي أنت لم تسلم إلا منذ وقت قصير.. كنت قبلها تعبد هبل.. فكيف توقّن هذا اليقين في صدق محمد ... وأنت إلى أيام قليلة سابقة كنت على خلاف دينه؟
فقال (عكرمة) في وضوح .. وفي فهم عالي .. يا أبا يزيد... إنا كنا على غير شيء.. وعقولنا ذاهبة... نعبد حجرا لا يضر ولا ينفع.. . كما رأينا ...تباينت مواقف الناس.. ورغم أن المعركة شديدة الشبه بمعركة أُحد.. فكلاهما كانا مصيبة ولمرض قلبي.. ففي أُحد كان حب الدنيا.. وفي حنين العُجب بالنفس..
لكن الفارق بين أُحد وحنين ..أن أحداث الموقعتين وقعت بصورة معكوسة... ففي أُحد بدأت المعركة بنصر المسلمين ثم حدثت المصيبة.. وفي حنين بدأت المعركة بمصيبة للمسلمين.. ثم انتصروا ..
لكن كيف تم النصر للمسلمين مع وجود هذه الأزمة الطاحنة؟
وكيف خرج المسلمون من هذه الكارثة؟ | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 25 يونيو 2014, 11:26 | |
| رسول الله.. الأسوة والقدوة
في مثل هذه الأزمات الهائلة... يتخلى الكثيرون عن المسئولية.. سواء كان جهادا أو غيره من الأعمال..
فماذا نفعل في مثل هذه المواقف؟
الرسول (صلى الله عليه وسلم) ضرب لنا القدوة في ذلك... تركنا على المحجة البيضاء... ليلها كنهارها... لا يزيغ عنها إلا هالك..
فقد قدم لنا منهجا عمليا واضحًا للخروج من مثل هذه الأزمات..
فماذا فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) ؟
كان أهم شيء فعله (صلى الله عليه وسلم) أن ضرب لنا القدوة من نفسه كقائد.. إذ إنه لو فر القائد ....فلا أمل في ثبات الجنود.. وإذا تخلى القائد عن المسئولية ...فلن يحملها أحد..
لكن الرسول (صلى الله عليه وسلم) ثبت في هذه الموقعة ثباتا عجيبا..
بل إنه لم يكتف بالثبات وعدم الفرار... بل كان يركض بدابته ناحية الكفار...!
حتى إن (العباس) وكان من الثابتين معه (صلى الله عليه وسلم) .. كان يمسك بلجام الدابة ليمنعها من التقدم.. خوفا عليه (صلى الله عليه وسلم)...!
فالرسول (صلى الله عليه وسلم) يدخل في وسط جيش الكفار.. ومعظم الجيش الإسلامي يسير في عكس اتجاه الرسول (صلى الله عليه وسلم).. ويفر للوراء ..!
والحبيب (صلى الله عليه وسلم)... متقدم إلى الأمام ..
ينادي بأعلى صوته على المسلمين ..
"أنا النبي لا كَذِب أنا ابن عبد المطلب هلموا إلي أيها الناس أنا رسول الله أنا محمد بن عبد الله"
صلوات ربي وسلامه عليك ياحبيبي يارسول الله ...
يا تُرى ....هل يوجد أحد مثله (صلى الله عليه وسلم)... ؟!
مستحيل....!
مهما قرأت في التاريخ والسير أو المعارك... فمن المستحيل أن تجد مثل ذلك الموقف أبدا.. فإذا فكر القائد في النجاة بنفسه.. فلا شك أن الجنود سيحبطون إحباطا يمنعهم من أية مقاومة.. أما إذا ثبت القائد وتقدم.. وجاهد وضحى بنفسه .. فهذا من أعظم الدروس التربوية لجيشه ولأمته..
وإلا فلماذا تُعطى الراية في المعارك لأفضل الناس وأقواهم وأشجعهم؟
لأن الناس تبعٌ لراياتهم وقائدهم..
فإذا هرب الشجاع الذي يحمل الراية.. فلا شك أن غيره سيهرب وسينهزم.. فلذلك نجد أن أشد القتال دائمًا يدور حول الراية... ليس لمجرد قتل رجل شجاع.. لكن لأن سقوط الراية سيؤثر معنويا في كل الجيش..
والرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يدرك هذا الكلام جيدا.. لذلك حرص (صلى الله عليه وسلم) كل الحرص على عدم التراجع خطوة واحدة .. رغم كل المخاطر التي تعرض لها..
فكان فعله (صلى الله عليه وسلم) .. خير من فعل ألف رجل ..
وهذه رسالة إلى كل المسئولين عن عمل.. والذين يديرون أعمالا جماعية للأمة الإسلامية.. فثبات القائد يعني ثبات الجنود... وتضحية الرئيس تعني تضحية المرءوسين.... هذه هي الخطوة التي فعلها الرسول (صلى الله عليه وسلم) .. وهي ضرب القدوة من نفسه كقائد... | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 25 يونيو 2014, 11:27 | |
| تشجيع الرسول للمؤمنين
فعل رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. أمرا ثانيا هو في غاية الأهمية.. فقد ركز (صلى الله عليه وسلم) الاعتماد على الموثوق فيهم من الجنود.. فالقائد كفرد لا يستطيع أن يفعل شيئا بدون الجنود.. حتى لو كان ثابتا متوكلا على ربه .. يبقى يحتاج إلى الأسباب .. والجنود جزء منها ..
وكلما ازدادت حكمة القائد ....أدرك المستوى الدقيق لكل من حوله.. وبالتالي لا يكلف أحدا من جنوده فوق طاقته.. وبناء على ذلك يحقق نسبة نجاح كبيرة..
وتعالوا بنا لنرى ... كيف طبّق الحبيب المصطفى (صلى الله عليه وسلم) هذا الكلام .. فهو أفضل من يُقيّم الرجال... وأفضل من يقدّر إمكانياتهم..
وهو (صلى الله عليه وسلم) .. لم يناد في هذه المعركة على 12 ألف مقاتل .. لأنه يعرف أن فيهم أناسا حديثي الإسلام ...يصعب عليهم الثبات في هذه المواقف..
ولم يناد (صلى الله عليه وسلم) على الـ 10 آلاف مقاتل .. الذين فتح بهم مكة.. مع أننا نعرف جميعا ...أن الذي دخل في الإسلام قبل الفتح ..له درجة عالية في الميزان الإسلامي.. مع ذلك لم يناد عليهم كلهم.. لأنه يعلم أن منهم من آمنوا رهبة من الدولة الإسلامية.. أو رغبة في خيراتها بعد انتصارات متتالية.. مثل قبائل غطفان وسليم وتميم وغيرهم..
إذن ..
لمن وجّه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ندائه ؟!
لقد نادى (صلى الله عليه وسلم) .. على أولئك الذين يثق في دينهم.. ويطمئن لعقيدتهم.. فهو (صلى الله عليه وسلم) يعلم تماما ...أنهم وإن فروا في أول يوم حُنين .. إلا أنهم سيعودون سريعا إلى حالتهم الأولى من البذل والعطاء والجهاد بمجرد التذكير.. لأن معدنهم شديد النقاء...
لكن ..
من هؤلاء الذين وثق فيهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) ؟
إنهم أصحاب الشجرة... أصحاب بيعة الرضوان الذين شهدوا صلح الحديبية.. والذين فتحوا خيبر بعد ذلك.. والذين قال الله سبحانه في حقهم..
(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)
ويجب أن نعلم أن هؤلاء بايعوا قبل ذلك على عدم الفرار.. ولا شك أنهم لو تذكروا هذه البيعة... بيعة الرضوان... لعادوا فورا إلى القتال.. لأنهم يقينا لم يبايعوا هذه البيعة نفاقا... لأن الله قد ذكر في كتابه ..أنه علم ما في قلوبهم.. ولذلك نزلت عليهم السكينة عند الشجرة .. ونزلت عليهم السكينة وهم على أبواب مكة يفتحونها.. وليس معهم إلا سلاح المسافر..
فالسكينة إذن مطلوبة ..
وهم يحتاجونها ..
فهل ستنزل عليهم السكينة في حنين ؟!
نعم .. هذا وارد .. بل وارد جدا .. لكن .. شرط أن أن يعودوا للقتال..
فكم كان عدد أهل الشجرة .. ضمن الجيش .. ؟!
كانوا 1400 فقط من أصل 12 ألف مقاتل .. !
وإن كانوا بهذه القلة .. إلا أن الواحد منهم بمائة .. وإن شئت بألف أو بأكثر.. وهؤلاء إذا ثبتوا ... فسوف تثبت الناس بثباتهم ..
لذلك .. أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. عمه (العباس) .. أن ينادي عليهم .. بعدم الفرار..
فرفع (العباس صوته).. وكان صاحب صوت جهوري .. ونادى بكل ما فيه من قوة..
يا أصحاب الشجرة يا أصحاب البيعة يوم الحديبية الله الله الكرة على نبيكم يا أصحاب السمُرة
ثم إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) خص النداء أكثر.. فهو لم ينادِ على كل أصحاب الشجرة.. لأنه يعرف نوعية الرجال الذين معه.. فقد أمر العباس أن ينادي على الأنصار.. وخص الأنصار من أصحاب الشجرة..
فرفع (العباس) صوته ونادى... يا أنصار الله وأنصار رسوله.
ثم إنه خص أكثر وأكثر... فنادى على الخزرج: يا بني الخزرج... يا بني الخزرج..
ثم إنه خص أكثر وأكثر ...فنادى على بني حارثة من الخزرج.. وهم من خير دور الأنصار ..
فماذا كان رد فعل أصحاب الشجرة.. والأنصار.. والخزرج...وبني حارثة؟
ولنترك لكم (العباس) يصوّر رد فعل هؤلاء أجمعين .. حينما سمعوا صوته ..
يقول (العباس) .. فوالله.. لكأن عطفَتهم حين سمعوا صوتي ..عَطْفَة البقر على أولادها..!
أي عادوا بسرعة كالبقر الذي يدافع عن أولاده الصغار..
بل أنهم قالوا في لحظة واحدة وبصورة جماعية حماسية لافتة للنظر.. يا لبيك.. يا لبيك..
سبحان الله...!
جاءوا من كل مكان في أرض الموقعة.. وعلى الرغم من كل الأزمة التي يعيشها المسلمون إلا أنهم أتوا من كل مكان.. حتى إنهم لا يرون الرسول (صلى الله عليه وسلم) من شدة تزاحم الناس.. وكان الرجل منهم يجد صعوبة في العودة.. لأنه يقود البعير أو الدابة في عكس الاتجاه.. ومع ذلك كان يعود.. بل قد ينزل على قدميه ويترجل... لكي يلحق بالرسول (صلى الله عليه وسلم)..
فهؤلاء هم الرجال الذين على أكتافهم تُبنى الأمة...
وما هي إلا لحظات ... حتى كان مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) 100 من الرجال.. فمنذ قليل كان معه حوالي 10 او 12 .. والآن 100 ..
وعندما تجمّعوا .. حميت الحرب واشتدت ... وبدأ المسلمون في قتال دامي.. فالذين اجتمعوا حول الرسول (صلى الله عليه وسلم) ثابتين كلهم..
والثابتون الأوائل هم.. أبو بكر .. وعمر .. وعلي .. والعباس.. وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب .. وربيعة بن الحارث بن عبد المطلب .. والفضل بن العباس... وأيمن بن عبيد (ابن أم أيمن) .. وأسامة بن زيد..
فهؤلاء قد ثبتوا من البداية... ثم جاء الأنصار كما ذكرنا حتى كملوا 100.. ثم بدأ المسلمون يتوافدون من كل مكان..
وأمسك الرسول (صلى الله عليه وسلم) حفنةً من التراب.. وقذفها في وجوه الكفار..
وقال... "شاهت الوجوه"
فدخل التراب في عيون وأنوف جميع الكفار..
وكانت نقطة تحول فارقة في موقعة حنين ..
فكانت البداية ثبات القائد الأعلى (صلى الله عليه وسلم).. ثم ثبت بثباته مجموعة قليلة من الرجال.. ثم عاد إليه من الفارّين مجموعة أكبر.. ثم عاد الأنصار جميعًا وأصحاب الشجرة.. ثم سرت روح المقاومة والثبات في الجميع.. وعادوا يقاتلون في سبيل الله..
فأول الغيث قَطْرة... ثم ينهمر..
لكن ..
ماذا فعل (صلى الله عليه وسلم) مع هؤلاء الذين عادوا ؟!
هل يعاتبهم ويلومهم ... ؟!
وهل الوقت يسمح بذلك ؟!
لا .. أبدا ..
لقد كان أول شيء فعله (صلى الله عليه وسلم) .. أن ذكّرهم بنصر الله ..
فقال (صلى الله عليه وسلم) رافعا صوته .. "انهزموا ورب محمد .. انهزموا ورب الكعبة"
ثم رفع (صلى الله عليه وسلم) يده إلى السماء... وابتهل إلى الله تعالى في الدعاء..
وقال في إلحاح... "اللهم نزّل نصرك .. اللهم إني أنشدك ما وعدتني.. اللهم لاينبغي لهم أن يظهروا علينا"
فماذا حصل بعد ذلك ؟! | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 25 يونيو 2014, 11:27 | |
| وما النصر إلا من عند الله
سبحان الله في هذه اللحظات العظيمة ... عولج المرض الخطير الذي أصيب به المسلمون يوم حنين .. فقد أدركوا بما لا يدع مجالاً للشك ...أن الناصر الحقيقي هو الله ... واستوعبوا بكل ذرة في كيانهم قول الحق سبحانه..
(وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
وانتقلت هذه الآية في لحظات يسيرة وسريعة... من المفاهيم النظرية إلى الوقائع العملية.. ولما تغير واقع المسلمين بهذه الصورة .. أذن الله للنصر أن ينزل على المسلمين... وكما تعودنا ...ينزل النصر في صورة لا يتوقعها المسلمون.. ليعترف الجميع أن النصر من عند الله..
ووسائل تحقيق النصر في حنين كانت عجيبة .. كما كانت من قبل في بدر... والأحزاب... وخيبر... ومكة... وغيرها..
فماذا حدث؟
هناك معادلة .. يجب علينا أن نحفظها كما نحفظ أسماءنا .. تقول المعادلة .. إنك إن ثبتّ على أرض المعركة .. فسوف يمدك الله بـ 3 جنود .. السكينة في قلوب المؤمنين .. والرعب في قلوب الكافرين .. ومدد من الملائكة ..
(ثُمَّ أَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ)
(سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ)
(وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا)
فنزع الله الخوف من قلوب المؤمنين .. ولم يروا جيش المشركين بحجمهم الحقيقي.. وأنزل الله الرعب في قلوب الكافرين... فولوا مدبرين متنازلين بسهولة شديدة عما حققوه من نصر.. ثم نزلت الملائكة مردفين .. كل ذلك .. بـ كن فيكون ..
الله الله ..
وفي لحظات ... فرّ 25 ألف مقاتل مشرك من أرض المعركة .. ! وتنازل 25 ألف مقاتل مشرك من مواقع استراتيجية .. ! وتفرق 25 ألف مقاتل مشرك هنا وهناك.. بعد أن تحطمت حالتهم النفسية .. !
ونسأل بسذاجة ..كيف يكون النصر من عند الله ؟!
يقول الله سبحانه عن ذلك اليوم ..
(لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَعَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ ثُمَّ يَتُوبُ اللَّهُ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ)
لقد فر المشركون يوم حنين .. وتركوا وراءهم أموالهم وأنعامهم.. وأكثر نسائهم وأولادهم..! فكان تركهم لأموالهم ونساءهم وأولادهم .. جزءا من العذاب النفسي (وعذب الذين كفروا) كما في الآية ..
فمن العذاب أن تأخذ قرار الفرار.. ومن العذاب أن تهرب وأنت الأكثر عددا وعدة.. ومن العذاب أن تتنازل عن حصاد السنين من المال والأنعام في لحظة واحدة.. ومن العذاب أن تتخلى عن زوجتك وأولادك... ومن العذاب أن تشعر أن كل شيء يطاردك حتى الجماد.. تخيلوا هذا الكلام حقيقة..!
فهذا (عمرو بن سفيان الثقفي)... كان في جيش المشركين الذين فروا في نهاية المعركة.. وقد أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه ..
يقول عن هذا اليوم .. فانهزمنا..فما خُيّل إلينا إلا أن كل حجر أو شجر فارس يطلبنا.. فأعجرت حتى دخلت الطائف..!
أي أسرعت على فرسي من شدة خوفي... لأنه يتخيل أن الأرض كلها تطلبه... وهذا هو العذاب بعينه..
وعذّب الله الذين كفروا.. وفر الجيش المشرك في 3 اتجاهات..
فقد فر جزء إلى أوطاس (جانب من جوانب وادي حنين) وجزء فر إلى منطقة نخلة.. والجزء الثالث والرئيسي فر إلى مدينة الطائف..
فقد فر الجميع بهذه الصورة المخزية المشينة.. وهرب معهم قائدهم (مالك بن عوف) الذي دفعهم إلى هذه المهزلة العسكرية.. واندفع المسلمون خلفهم هنا وهناك يطاردونهم في كل مكان..
فذهبت سرية مسلمة إلى أوطاس .. وأخرى إلى نخلة.. وتوجه الجيش الرئيسي بقيادة الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى الطائف لحصار هوازن وثقيف فيها..
وأوقف (صلى الله عليه وسلم) توزيع الغنائم الهائلة التي حصلوا عليها ...حتى يعود .. وجعل كل هذه الغنائم في وادٍ اسمه الجعرانة بجوار حنين .. وكانت هذه أكبر وأعظم غنائم تحصل في معركة واحدة في تاريخ العرب قاطبة.. فقد أتى (مالك بن عوف) بكل صغيرة وكبيرة في قومه ليجعلها تقع بعد ذلك في أيدي المسلمين..
إذ بلغ السبي من النساء في هذه الموقعة 6000 وهذا رقم هائل... وتجاوز عدد الإبل 24 ألفا .. وعدد الأغنام 40 ألفا .. والفضة كانت حوالي 150 كم من الفضة (4000 أوقية) .. نصر هائل فعلا لم يتوقعه ولم يحلم به أحد.. فمعركة حنين من المعارك العجيبة فعلاً بكل المقاييس..
فشهداء المسلمين في هذه الموقعة الضروس 5 فقط .. بينما قتلى المشركين 70 فردا .. ! والذي يشاهد الأعداد الهائلة المشتركة في هذه الموقعة..12 ألفا يحاربون أكثر من 25 ألفا .. يتخيل أن الضحايا سيكونون بالمئات... بل بالآلاف.. لكن ذلك لم يحدث..
فقد انقسمت المعركة ببساطة إلى جزأين لا ثالث لهما.. جزء أول فر فيه المسلمون دون قتال تقريبا.. والجزء الثاني فر فيه المشركون دون قتال تقريبا كذلك...
وهذه النتائج الهائلة... والغنائم العظيمة جاءت دون قتال يذكر... فرٌ وكر... ثم كرٌ وفر ..
وهكذا تغيرت الأحداث في دقائق.. وانقلب نصر المشركين إلى هزيمة.. وتحولت هزيمة المسلمين إلى نصر.. وكان الفارق هو تغير قلبي لا يراه أحد من البشر.. لكن الله يراه.. انحراف في الفهم ولو للحظات أدى إلى الفرار.. وعودة إلى الفهم الصحيح في لحظات كذلك أدت إلى نصر.. وذلك لكي تبقى الحقيقة واضحة في الذهن وراسخة في أعماق المسلمين
(وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِنْدِ اللهِ إِنَّ اللهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)
ولا يخفى علينا أن أمورا مثل حنين .. تتكرر كثيرا في حياتنا.. فما أكثر توكلنا على الطبيب الماهر المشهور .. للدرجة التي تمنعنا أحيانا من رفع الأيدي إلى الله لطلب الشفاء منه.. وهو الشافي.. ولا نقصد هنا عدم التداوي... فالتداوي أمر نبوي... لكن الاعتماد على الطبيب... ونسيان رب الطبيب.. فهذا لا يُقبل..
وما أكثر ما نثق بمال الأغنياء من البشر... وننسى أن نرفع أيدينا بالدعاء لله الغني الرازق الذي بيده ملكوت السموات والأرض...!
وما أكثر ما نوقن في توصية من كبير أو واسطة إلى عظيم.. ولا نلجأ إلى الكبير العظيم المتعال ..!
وما أكثر ما نطرق كل الأبواب... ولا نطرق باب الرحمن...!
وما أكثر ما نسأل كل البشر... ولا نسأل المنّان الكريم..!
وما أكثر ما نطمئن لما في أيدينا... ولا نطمئن إلى ما في يدي الله مالك السموات والأرض وما بينهما..!
لذلك .. تتكرر حنين في حياتنا كثيرا .. فنفرّ ونفشل.. ونهرع ونخاف ونفزع.. ولن نثبت وننتصر ونأمن إلا بما فعله الأولون.. ولن يكون ذلك أيضا إلا بأخذ بالأسباب مع الاعتماد الكامل على ربِّ الأسباب.. ولن يكون ذلك إلا بفقه عميق للتاريخ... وقراءة متأنية للسيرة.. واتّباع دقيق لمنهج سيد البشر وأعظم الخلق وإمام الرسل محمد (صلى الله عليه وسلم).. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 25 يونيو 2014, 11:28 | |
| المسلمون يصلون إلى وادي الجعرانة
رجع الرسول (صلى الله عليه وسلم) من الطائف بعد 40 يوم كاملة.. ووصل إلى وادي الجعرانة ليبدأ في مهمة أخرى عظيمة.. وهي مهمة تقسيم الغنائم الهائلة على الجيش المنتصر..
ونريد أن نقف وقفة سريعة مع فكرة الغنائم.. فهذه خصيصة لهذه الأمة العظيمة.. لأن الغنائم لم تكن مشروعة للأمم السابقة..
فقد روى البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.. أن الرسول قال" أعطيتُ خمسا لم يُعطهن أحد من الأنبياء قبلي... " وذكر منها.. "أحلّت لي الغنائم"..
فالغنائم نعمة من الله ... وحافز قوي للمجاهد.. ومعوّض للمجاهد عن تركه للديار والأعمال والأسرة والوطن..
ولو قلنا أن بعض المقاتلين في الجيش يقاتل في سبيل الله .. فقد يكون البعض الآخر منهم يقاتل لأجل الغنائم .. وهؤلاء سيقاتلون بحمية أكبر .. عن الجيش الذي لا يتجاوز فيه راتب الجنود دراهم معدودة.. والتشريع الإسلامي يقول.. إن أربعة أخماس الغنيمة توزع على أفراد الجيش المقاتل.. وخُمس الغنيمة الباقي يذهب إلى الدولة... تتصرف فيه حسب المصلحة...
لكننا نرى الدول في زماننا هذا والقادة الكبار.. والزعماء .. يستكثرون هذا العطاء الضخم للجنود... ويحتفظون به للدولة أو لهم.. ويسلبون بذلك حق الجنود.. ولا شك أن ذلك سيكون له انعكاس كبير على قتال الجنود في المعارك.. وعلى أداء الجنود في الحروب..
فماذا فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) في غنائم حُنين الهائلة؟
وقد اختلفت كتب السير فيما فعله (صلى الله عليه وسلم) في غنائم حنين .. فمع أن أربعة أخماسها للجنود .. وخُمس للدولة.. لكن .. من العلماء من قال إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وزَّع الغنائم بكاملها على المؤلفة قلوبهم.. والمؤلفة قلوبهم هم الذين أسلموا حديثا.. سواء من أهل مكة الطلقاء أو من الذين أسلموا من الأعراب قبل فتح مكة مباشرة.. ومن هؤلاء العلماء ... ابن حجر العسقلاني (رحمه الله) في فتح الباري...
ومنهم من قال .. إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) وزّع أربعة أخماس الغنيمة على الجيش بكامله.. ثم أعطى المؤلفة قلوبهم من الخمس المتبقي المملوك للدولة. ومن هؤلاء العلماء .. القرطبي.. وأبو عبيد بن سلاّم صاحب كتاب الأموال.. وابن خلدون... والقاضي عياض... وغيرهم.
لكن .. علينا تحليل أي من تلك الآراء كان صحيحا .. حسب ما يتفق مع الشرع والعقل والنقل .. والأدلة الموجودة ..
الدليل الأول
هذه الغنائم ليست مُلكا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ليوزعها بطريقة تخالف التوزيعة الشرعية.. وهي أصبحت الآن ملكا للجيش..لا تؤخذ منه إلا باستئذان خاص.. وهذا لم يحدث.. ومن قال: إن هذا أمرٌ خاص بالرسول (صلى الله عليه وسلم) يلزمه الدليل على ذلك.. وإلا يصبح من حق أي زعيم أن يقول: إن ظرفي يماثل ظرف يوم حُنين.. فيأخذ الغنائم كلها وينفقها حسب ما يرى.
الدليل الثاني
لو كان هناك تغيير في تقسيم الغنائم عن التوزيعة الشرعية.. لتوقعنا أن يذكر (صلى الله عليه وسلم) أن هذا أمر خاص بهذه الواقعة.. حتى لا يعتقد البعض أن ما فعله (صلى الله عليه وسلم) في حُنين .. نَسَخَ التقسيمة السابقة للغنائم.. ونحن لم نجد حتى الآن هذا القول.. وخاصةً أن هذه المعركة هي آخر موقعة حربية مع العرب.. فحتى موقعة تبوك التي حدثت بعد ذلك.. لم يحدث فيها قتال.. ولم يكن فيها غنائم.. فالموضوع خطير...ولا بد من توضيح...
الدليل الثالث
ما رواه أبو داود والنسائي عن عبد الله بن عمرو بن العاص.. وكذلك عن عمرو بن عبس ... أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال لأعرابي عند توزيع غنائم حُنين.. بعد أن أمسك وبرة من سنام بعير بين إصبعيه...
"إنه ليس لي من الفيء شيء ولا هذه إلا الخمس.. والخمس مردودٌ فيكم"
وهذا تصريح من الرسول (صلى الله عليه وسلم) قاله بعد توزيع الغنائم.. ولا ندري كيف خفي هذا الحديث ..عمّن قال.. إنه (صلى الله عليه وسلم) قد وزع الغنائم كلها على المؤلفة قلوبهم.. علما أن الحديث رواه أيضا أحمد عن عبادة بن الصامت .. ورواه الإمام مالك عن عمرو بن شعيب ..
الدليل الرابع
لو راجعنا أرقام الغنائم ومن وُزِّع عليهم.. لأدركنا أنه من المستحيل أن يكون الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد قسم كل الغنائم على المؤلفة قلوبهم فقط.. لأن عدد الذين أعطاهم (صلى الله عليه وسلم) هذا العطاء السخي .. لا يزيدون في أي كتاب من كتب السيرة على 20 رجلا .. ولو جمعنا الأسماء من الكتب المختلفة سنصل بالرقم إلى 40 أو 50 بالكاد .. فإذا كان (صلى الله عليه وسلم) يعطي كل فرد 100 من الإبل .. فعطاؤه لـ 40 رجلا .. سيبلغ 4000 بعير.. فأين ذلك من 24 ألف بعير هي غنائم حنين ؟!
وهذا غير الشياه.. 40 ألف شاة .. 4000 أوقية فضة .. ومن السبي 6000 ... ولم يرد أنه (صلى الله عليه وسلم) أعطى أرقاما كبيرة كـ 100 بعير... أو حتى 50 بعير.. إلا لهذه المجموعة من الزعماء المؤلفة قلوبهم فقط.
الدليل الخامس
هل كان يرضى أفراد القبائل من الأعراب ومن قريش بإعطاء زعمائهم فقط.. أم أنهم لا يرضون أبدا إلا إذا أخذوا شيئا ولو قليلا..؟!
أي لو أعطينا زعيم قبيلة غطفان 100 من الإبل.. فهل سيرضى ألفان أو ثلاثة آلاف غطفاني عدم إعطائهم شيئا... ؟!
لا شك أن قلوب الجميع كانت تهفو إلى الغنيمة...فكل هؤلاء الناس كانوا في حاجة إلى تأليف القلوب.. لذلك نحن نرى أن 99% من المسلمين الذين دخلوا في الإسلام بعد صلح الحديبية.. وبعد فتح خيبر .. يحتاجون إلى تأليف القلوب.. ولن يترفع منهم عن هذه الغنيمة إلا قليل القليل.. أمثال خالد بن الوليد.. وعمرو بن العاص.. وعثمان بن طلحة.. والعباس.. وهم بعض الأفراد المعدودين.. أما الجميع فسيحتاج إلى تأليف...
ودليل ذلك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) عند الأزمة في حُنين ..لم ينادِ على الذين أسلموا بعد الفتح.. لأنه يعلم أن الكثير منهم ما أسلم إلا رغبا أو رهبا.. لكنه (صلى الله عليه وسلم) قَصّر الدعوة في أصحاب الشجرة وفي أهل الحديبية.. وهم الذين ضَمِن إيمانهم... وهم 1400 صحابي.. أي إنه لكي يُرضي (صلى الله عليه وسلم) المسلمين الجدد .. عليه أن يُعطي 10 آلاف مقاتل .. فيكون المتبقي عدد أصحاب الشجرة .. فإذا كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) ناويا أن يُعطِي 10 آلاف مقاتل من الغنيمة.. أيعجزه أن يُعطي الباقين من الـ 1400 ؟!
إنه كلام غريب ولا يقبل... وأصحاب الشجرة هم الذين أدوا ما عليهم... وهم الذين دافعوا.. وهم الذين كافحوا كيد المشركين.. فإعطاء 1400 مقاتل لايؤثر مطلقا في إعطاء 10,600 من الباقين .. فليس هناك أي داع من حرمان هؤلاء من الغنيمة الشرعية المستحقة... | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 25 يونيو 2014, 11:29 | |
| وقفة مهمة
قد يقول قائل... إن هناك من يعكر صفو هذا التحليل السابق.. هو أمران:
الأول... رواية البخاري ومسلم عن أنس بن مالك.. لذلك أعطى الرسول (صلى الله عليه وسلم) المؤلفة قلوبهم... ولم يعطِ الأنصار شيئا..
الأمر الثاني.. ما جاء في رواية البخاري ومسلم أن الأنصار قد وجدُوا في أنفسهم بعد توزيع الغنائم.. أي حزنوا.. ولو كانوا قد أخذوا... فماذا يحزنهم؟
لكن هذا الأمران .. سنتحدث عنهما لاحقا ..
فالشرع والمنطق والنقل يقول.. إن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قسّم أربعة أخماس الغنائم على الجيش بكامله.. سواء كانوا من المهاجرين أو الأنصار.. أو الأعراب الذين أسلموا قبل الفتح أو طلقاء مكة.. أي أنه قد قسم أربعة أخماس الغنائم على اثني عشر ألف مقاتل.. وبعد ذلك قسّم الخمس المتبقي والمملوك للدولة..
والذي يملك (صلى الله عليه وسلم) فيه كزعيم للدولة وكقائد للأمة الإسلامية .. هو حق التصرف.. قام (صلى الله عليه وسلم) بتقسيم هذا القسم على المؤلفة قلوبهم.. وقام الرسول (صلى الله عليه وسلم) بتقسيمها بين 12 ألفا بالتساوي.. لحديث (عبادة بن الصامت) في مسند أحمد .. فكان الفارس يأخذ ثلاثة أضعاف الرَّاجِل.. أي من معه فرس يأخذ ثلاثة أضعاف المترجِّل في القتال.. لأنه يتولى رعاية الفرس من ماله الخاص.. ومن جهده الخاص.. وكانت الدولة لا تملك هذه الخيول.. ولا تنفق عليها..
أما الجزء الثاني وهو خمس الغنيمة .. قام الرسول (صلى الله عليه وسلم) بتوزيعه بالطريقة التي أرشده الله إليها .. وكان هذا التوزيع يخصّ به الرسول (صلى الله عليه وسلم) بعض الرجال دون غيرهم..
وحتى السبي.. كان يُقسّم بمعرفة الرسول (صلى الله عليه وسلم) .. لكن كان هناك من يأخذ .. وهناك من لايأخذ .. وأحيانا كان (صلى الله عليه وسلم) يقرع بين الصحابة .. وأحيانا كان يعوضهم بالمال.. وأحيانًا كان (صلى الله عليه وسلم) يعطي البعض منهم من الغزو اللاحق بعد ذلك..
نأتي إلى الخمس المتبقي ... فهذا يحتاج إلى وقفة طويلة.. وهذا المال مِلك للدولة.. والرسول كقائد يوجّهه في الوجه الأصلح للدولة.. قد يشتري به السلاح.. وقد يفتدي به الأسرى.. وقد تُعطَى منه الهبات لأهل النجدة.. والبأس في الحرب.. وقد تُعطَى منه الرواتب والأجور.. وقد يدخل في مشروعات الدولة المختلفة.. المهم أن القائد ينفقه في الوجه الأصلح للدولة..
والرسول (صلى الله عليه وسلم) إنسان عملي يعيش على أرض الواقع .. وهو يعلم أن في جيشه من هم حديثي عهد بالإسلام.. ومنهم من يقف على شفا حفرة.. ومنهم من هو متردد جدا في أمر الإسلام.. ومنهم من دخل الإسلام رهبا من قوته... أو رغبا في أمواله.. ومنهم من كان سيدا مطاعا في قومه.. ليس لأحد في العرب كلمة واحدة عليه.. فأصبح الآن تابعا.. ومنهم من لو أمر قبيلته بالردّة لمحاربة المسلمين ...لفعلوا ذلك...
كما إنه (صلى الله عليه وسلم) لم يفترض أن الجميع مقتنع تمامَ الاقتناع بالإسلام.. ولم يفترض أن الإيمان قد تغلغل في قلوبهم.. ولم يفترض أن نور الإسلام قد محا تماما ظلمات الكفر التي عاشوا فيها سنوات وسنوات.. وأن الدولة الإسلامية لم تستقر بعد بل تقف على فوهة بركان خطير.. خاصة أن أموال وأملاك الدولة الإسلامية اتسعت جدا... وكثر أتباع المسلمين.. وليس هناك وقت كاف لتربية كل هؤلاء المسلمين الجدد...
هناك مشكلة أخرى .. هي أنه (صلى الله عليه وسلم) لو أمن جانب الزعماء السابقين بترضية سخية ومجزية من الدولة الإسلامية.. وأحس هؤلاء الزعماء أن حالتهم المادية قد استقرت... وأن أموالهم قد كثرت.. بعد انتماءهم للإسلام.. فسيُحبون هذه الدولة التي حققت لهم هذا الرخاء.. وسوف يحاولون بكل طاقة أن يدعموها .. ليستمر وضعهم في التحسن ..
نعم .. إن الإيمان الذي يكون سببه حب المال ...إيمانٌ ضعيف.. لكن هذا يكون في البداية فقط... فإذا دخل الفرد في محاضن التربية الإسلامية .. يبدأ الإيمان في الرسوخ تدريجيا .. حتى يصبح الإيمان أغلى عنده من المال.. وهذا إنما يحتاج إلى وقت ..
لكن ..
كانت هناك مشكلة تعوق هذا الأمر .. وهم هؤلاء الذين بذلوا الجهد في معركة حُنين.. الذين كانوا سببا مباشرا من أسباب النصر ...وهم قدامى المهاجرين والأنصار.. وهؤلاء بفضل الله ثابتون في الإسلام دون شك.. ولا يحتاجون إلى إغراء بالمال أو بغيره.. وتاريخهم معروف جدا.. ومواقفهم مشرفة.. وأياديهم بيضاء على الإسلام والمسلمين.... وكان (صلى الله عليه وسلم) من عادته ..أن يُعطي عطاء أكبر لأهل البلاء .. ولمن بذل جهدا زائدا في القتال،.. ولقد فعل (صلى الله عليه وسلم) ذلك في أكثر من موقعة قبل حُنين.. ولو أراد (صلى الله عليه وسلم) أن يعطي المؤلفة قلوبهم .. ما بقي من الخمس .. فماذا يعطي للمهاجرين والأنصار ؟!
وماذا يفعل (صلى الله عليه وسلم) في هذا الموقف المحير؟
هل يعطي زعماء القبائل الذين أسلموا حديثًا.. ولم يبذلوا الجهد المطلوب في حُنين.. بل لم يعودوا إلى الصف إلا بعد رؤية الأمور تتجه لصالح المسلمين.. ويشتري بإعطائهم استقرار الدولة الإسلامية؟
أم يُعطي الأنصار والمهاجرين الذين أبلوا أحسن البلاء ليكافئهم على جهدهم؟ الحقيقة أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) عقد مقارنة بين الوضعين..
واختار الرسول (صلى الله عليه وسلم) دون تردد... الرأي الأول.. وهو استقرار الدولة الإسلامية.. لأن استقرار الدولة هدف تتضاءل بجواره الأهداف الأخرى.. ولو تزعزع هذا الاستقرار.. فإن الجميع سيدفعون الثمن.. سواء من قدامى المسلمين أو من الذين أسلموا حديثًا.. والجميع سيعانون من هذا الاضطراب في استقرار الدولة الإسلامية. لا ننكر أن هناك ضررا نفسيا وماديا سيقع على الأنصار والمهاجرين.. ولكن الضرر الأكبر هو اضطراب الدولة الإسلامية وعدم استقرارها.. فقام الرسول (صلى الله عليه وسلم) بتطبيق قاعدة دفع أكبر الضررين وجلب أكبر المنفعتين..
وهنا ملاحظة مهمة .. حتى لايُساء بي الظن مرة أخرى ..
هو أن ما يختاره رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. هو اختيار نبوي .. فما معنى اختيار نبوي .. ؟ يعني أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) اختاره بإلهام من الله ووحي .. وليس شرطا أن يكون ذلك وحي قرآني .. لماذا ؟ لأن ما ينطقه (صلى الله عليه وسلم) .. ما هو إلا وحي يوحى ..
ونحن نعلم أن هناك أناسًا لن تقبل بهذه القسمة من الغنائم .. ويظنون أن فيها جورا.. وكان ممن استغرب مؤمنون شديدو الإيمان كالأنصار ... كذلك استغربه بعض الذين لم يتمكّن الإيمان في قلوبهم.. ووصل استغرابهم إلى درجات غير مقبولة. فقد جاء رجل من الأعراب إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) .. كما روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود ..
وقال في غلظة... والله إن هذه القسمة ما عدل فيها... وما أريد بها وجه الله..
فغضب الرسول (صلى الله عليه وسلم) .. وقال.. "ومن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله؟"
ونجد هنا أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم ينسب العدل في هذه القسمة له وحده.. لكنه قال "يعدل الله ورسوله"... تأكيدا على أن الأمر مؤيد بالوحي.. وسبحان الله..! مع أن هذه الكلمة كانت فاجرة من هذا الرجل.. وقد تحمل على الكفر .. إلا أنه (صلى الله عليه وسلم) لم يشأ أن يقتله بها .. ولقد عرض (عمر) و (خالد) قتله .. لكنه (صلى الله عليه وسلم) أبى ذلك .. لئلا يتحدث الناس أن محمدا (صلى الله عليه وسلم) يقتل أصحابه.. وعامله الرسول (صلى الله عليه وسلم) كما يعامل المنافقين الذين يظهرون الإسلام.. ويبطنون الكفر..
ولكن هذه القصة أوضحت بصورة كبيرة بعض أحوال المسلمين الجدد.. وأن هذه القصة ما كانت حدثًا عارضًا في يوم حُنين.. وإنما تكررت كثيرا عند تقسيم الغنائم ..
وهناك موقف آخر من رجل أعرابي.. في البخاري ومسلم .. يوضِّح طبيعة ونفسيات الأعراب الذين كانوا يشاركون في حُنين..
يقول أبو موسى الأشعري .. كنت عند النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو نازل بالجعرانة.. ومعه (بلال)..
فأتى النبي (صلى الله عليه وسلم) أعرابي .. فقال.. ألا تنجز لي ما وعدتني؟
وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد وعد بتقسيم الغنائم.. ولكن هذا الوعد كان يوم حُنين.. ثم توجه المسلمون إلى الطائف.. وظلوا هناك 40 يوما في حصار الطائف.. هذا غير أيام الذهاب والعودة..
فتلطف الرسول (صلى الله عليه وسلم) معه وقال له.. "أبشر"..
أي سوف أعطيك...
فردَّ الأعرابي في غلظة تعبر عن نفسية منحرفة.. فقال .. قد أكثرت عليَّ مِن أبشر؟
وهذا الرد من الأعرابي قد أثر جدا في نفسية الرسول (صلى الله عليه وسلم).. فغضب (صلى الله عليه وسلم).. ثم ذهب (صلى الله عليه وسلم) إلى (أبو موسى الأشعري وبلال) ..
وقال لهما .. "ردّ الأعرابي البشرى.. قلتُ له: أبشر.. فرفض.. فاقبلا أنتما"
فقالا... قبلنا.
ونرى في هذه القصة غلظة الأعراب الذين أسلموا حديثا.. ولم تُربَّ أخلاقهم بعدُ في الإسلام..
وشئنا أم أبينا... فإن هذه النوعية من الناس.. وهذه الفئة من المسلمين ستظل موجودة إلى يوم القيامة.. فإما أن نعترف بالواقع ونتعايش معه.... ونتعامل معهم على هذا الأساس.. وإما أن نعيش في مثاليات وهمية ليس لها مكان على أرض الواقع..
لكن ..
نريد أن نلفت الأنظار إلى نقطة مهمة قبل الخوص في التفصيلات .. هو أنه لولا ثقة الرسول (صلى الله عليه وسلم) التامة بالسابقين من الأنصار والمهاجرين.. لكان تطبيق هذا القرار مستحيلا.. لأن درجة إيمانهم لو كانت سطحيّة لاحتاجوا هم أيضا إلى تأليف القلوب وإعطاء الأموال.. لكن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يعرف تماما أنهم عاشوا ليعطوا لا ليأخذوا.. وعاشوا لدينهم لا لأنفسهم.. وطلبوا الجنة ولم يطلبوا الدنيا... | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 25 يونيو 2014, 11:29 | |
| الرسول يعطي أبا سفيان
وقفنا سابقا .. أمام قضية الغنائم بوجه عام.. ثم ركزنا أكثر على غنائم يوم حنين.. وكيف قسمها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على المسلمين.. وعرفنا أنه (صلى الله عليه وسلم) وزّع أربعة أخماس الغنائم على كل من شارك في الغزوة.. ثم أعطى المؤلفة قلوبهم من مال الخمس الخاص بالدولة..
وأول لقاء كان مع (أبي سفيان) .. زعيم مكة الأول الذي ظل يحكم مكة 6 سنوات متصلة من غزوة بدر إلى فتح مكة.. وهو من أصحاب رءوس الأموال الضخمة في مكة.. وهو قد طُعن كثيرا في كرامته في غضون الشهرين السابقين.. بداية من زيارته إلى المدينة المنورة .. كما رأينا في صلح الحديبية .. كما رأينا قبل ذلك لمحاولة إطالة مدة الحديبية.. ومرورا بموقفه في الطريق من المدينة إلى مكة.. وإيمانه في ظروف قاسية جدا على قلب أي زعيم.. ومرورا أيضًا بدعوة أهل مكة لعدم الدفاع عنها وفتحها لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) دون قتال.. وانتهاء بنزع زعامة مكة منه .. وإعطاء هذه الزعامة لأحد الأمويين الذي كان من سن أبنائه.. وهو (عتاب بن أسيد)..
فلا شك .. أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) كان يقدّر كل هذه المعاناة التي يشعر بها (أبو سفيان) في الإسلام.. كما أنه (صلى الله عليه وسلم) يعلم أنه لن يرضى بقليل من العطاء.. لأنه كان من كبار أغنياء مكة.. فلن يرضيه أن يأخذ 10 أو 20 جملا .. لذلك أراد الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن يعطي له عطاء ضخما..
جاء (أبو سفيان) إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) ... وهو في وادي الجعرانة وقد رأى (أبو سفيان) كما رأى الجميع ..الغنائم الهائلة التي لا يحلم بها عربي..
فقال (أبو سفيان) ... يا رسول الله.. أصبحتَ أكثر قريش مالا..!
فهو يلمّح للرسول (صلى الله عليه وسلم) بوجود المال الكثير... ليعطيه منه..
فتبسّم (صلى الله عليه وسلم) ولم يتكلم..
فلما رأى (أبو سفيان) أن التلميح غير مُجد.. قال.. أعطني يا رسول الله من هذا المال.
ونحن لا نتعجب من كلام (أبي سفيان) .. وتصريحه للرسول (صلى الله عليه وسلم) بطلبه للمال هكذا تصريحا.. لأن هذه كميات كبيرة... وسوف توزع... فلعله إن لم يصرح وزِّعت على غيره.. وبعد ذلك لا ينفع الندم..
فقال (صلى الله عليه وسلم) في يسر وسهولة... "يابلال.."
وكان (بلال) هو من يوزِّع هذه الغنائم..
قال (صلى الله عليه وسلم).. "يابلال.. زِن لأبي سفيان أربعين أوقية من الفضة .. وأعطوه مائة من الإبل.."
سبحان الله .. اليوم (بلال) يوزع الغنائم .. إن الله يعز من يشاء..!
(بلال) الذي كان يُباع ويُشترى ويُعذب... هو الآن المقرب من زعيم الدولة... وهو الذي يُعطي هذا وذاك من الزعماء السابقين... نظر (أبو سفيان) إلى العطايا وهو لا يصدق نفسه لكثرة الأغنام والإبل والفضة.. و في لحظة واحدة أصبح (أبو سفيان) يمتلك كل هذا ..
فوجد (أبو سفيان) نفسه .. يطلب المزيد .. فقال .. ابني يزيد.. يا رسول الله.
فقال (صلى الله عليه وسلم) في منتهى البساطة.. "زِن له يابلال أربعين أوقية .. وأعطوه مائة من الإبل"
فقال (أبو سفيان)... يا رسول الله.. ابني معاوية.
فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. "زِن له يابلال أربعين أوقية .. وأعطوه مائة من الإبل"
ذهل (أبو سفيان).. وقال في صدق.. إنك الكريم.. فداك أبي وأمي.. ولقد حاربتك... فنعم المحارب كنت.. ثم سالمتك فنعم المسالم أنت.. جزاك الله خيرا..
ألسنا نشعر بالصدق في كلمات (أبي سفيان)...؟!
فما الذي غيّره ؟!
وما الذي أسعده بعد حزن؟
إنه المال... لكن .. ماذا تمثل هذه الأموال إلى جوار هداية إنسان؟
وما هذه الأموال إلى جوار استقرار الدولة الإسلامية؟!
وما هذه الأموال إلى جوار تأليف قلوب بني أمية؟
وما هذه الأموال إلى جوار ثبات أهل مكة على الإيمان؟
المال حلو ونضر...لكنه يتصاغر جدا إلى جوار هذه المعاني..
هذه كانت نظرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) .. يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.. ويعطي المال وكأنه لاينتهي .. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 25 يونيو 2014, 11:30 | |
| الرسول يعطي حكيم بن حزام
وجاء (حكيم بن حزام).. وهو أيضا من مسلمي الفتح.. ودار بينه وبين الرسول (صلى الله عليه وسلم) حوار.. والحوار في البخاري ومسلم..
يقول (حكيم بن حزام).. سألت رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. فأعطاني مائة من الإبل.. ثم سألته فأعطاني مائة ثانية.. ثم سألته فأعطاني مائة ثالثة..!
إذن .. فلقد أعطاه (صلى الله عليه وسلم) 300 من الإبل ..
لكن شعر (صلى الله عليه وسلم) أن (حكيما) يريد المزيد .. فأحب (صلى الله عليه وسلم) أن يعلمه درسا .. ويوقف الطلب المتكرر .. فأعطاه درسا تربويا في منتهى العظمة..
قال له (صلى الله عليه وسلم).. "ياحكيم.. إن هذا المال حلوةٌ خضِرة"..
ولم يقل (صلى الله عليه وسلم) حلوا خضرا.. لأن المقصود بالمال هنا الدنيا ...
كما في الحديث.. "إن الدنيا حلوة خضرة"
ثم قال له (صلى الله عليه وسلم).. "فمن أخذ بسخاوة نفس (يعني بغير شرط ولا إلحاح) بورك له فيه.. ومن أخذه بإشراف نفس وتشوّفٍ .. لم يبارك له فيه .. وكان كالذي يأكل ولا يشبع.. واليد العليا خير من اليد السفلى.."
وسمع (حكيم بن حزام) هذا الدرس.. و فقِه مراد الرسول (صلى الله عليه وسلم).. فأسرع بردّ المائة الثانية والثالثة... وأخذ المائة الأولى فقط...!
ثم قال (حكيم) صادقا.. يا رسول الله.. والذي بعثك بالحق لا أرزأُ أحدا من بعدك يا رسول الله حتى أموت..
أي أنني لا آخذ من أحد شيئا... ولا أنقص أحدا أبدا ماله..
وسبحان الله...!
كان (حكيم بن حزام) صادقا في قسمه.. فما كان يأخذ من أحد شيئا.. حتى إنه كان يرفض العطاء الذي أعطاه إياه (أبو بكر) في خلافته .. ثم (عمر) بعد ذلك.. فهذا كان درسا نبويا عظيما..
فانظر إلى المنهج الإسلامي العظيم ..كيف يشكّل الناس.. وكيف يعيد بناءهم على صورة أشبه بالملائكة ...منها بالبشر.. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 25 يونيو 2014, 11:30 | |
| الرسول يعطي الزعماء من الخمس
بدأ الرسول (صلى الله عليه وسلم) يوزِّع بقية الخمس من الغنائم على زعماء مكة.. وأعطى من يعتقد أن في قلبه ضغينة للإسلام.. وحقدا على الدولة الجديدة.. إما لدوافع قبلية... وإما لأنهم أقارب لبعض من قتلوا على يد المسلمين.. أو أنه قد نزعت زعامتهم الشخصية..
فأعطى (سهيل بن عمرو)... وهو أحد كبار زعماء مكة.. والمفاوض القرشي الشهير في صلح الحديبية... والذي أسلم منذ أيام قليلة في فتح مكة..
وأعطى (الحارث بن هشام) أخا أبي جهل.. وذلك ليتألف قلبه.. وليهون عليه مصابه في أخيه زعيم مكة سابقا (أبي جهل).. وليتألف قلوب بني مخزوم..
وأعطى (النضير بن الحارث) أخا (النضر بن الحارث) شيطان قريش المعروف.. الذي كان من ألد أعداء الرسول (صلى الله عليه وسلم).. والذي قُتل في أعقاب غزوة بدر... ليتألف قلبه.. وليتألف قلوب بني عبد الدار..
وهكذا أعطى (صلى الله عليه وسلم) كثيرا من زعماء مكة ...ليضمن استقرار الأوضاع في مكة..
ثم بدأ (صلى الله عليه وسلم) يعطي زعماء القبائل من الأعراب .. حتى يضمن ولاءهم للدولة الإسلامية..
فأعطى (عُيَينة بن حصن) زعيم قبيلة بني فزارة... 100 من الإبل.. وكان هذا الرجل رجلا غليظا جدا.. سيء الخلق .. ورغم أن أخلاقه لم تتغير كثيرا بعد أخذه لهذا المال .. بل أنه أرتد بعد وفاة الرسول (صلى الله عليه وسلم).. لكنه عاد وتاب في أيام (أبي بكر) ..
كذلك أعطى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أيضًا زعيم بني تميم (الأقرع بن حابس).. وكان من غلاظ الطباع وحديثي الإسلام.. وكانت بنو تميم قبيلته قوية... فأعطاه 100 من الإبل ..
وأعطى (صلى الله عليه وسلم) .. (عباس بن مرداس).. زعيم قبيلة سُليم.. ويبدو أنه (صلى الله عليه وسلم) قدّر قيمة العباس أقل من قيمة عيينة والأقرع.. لأنه أعطاه 50 ناقة فقط ... ومع أن هذا رقم كبير .. إلا أنه لم يعجب (العباس بن مرداس)...
فذهب إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يطلب المزيد.. ويطلب المساومة ويقارن نفسه مع عُيَينة والأقرع زعيمي فزارة وتميم..
وبدأ يقول شعرا في ذلك...
فأصبح نهبي ونهب العبيد - بين عيينة والأقرع وما كان حصن ولا حابس - يفوقان مرداس في المجمع وما كنتُ دون أمريء منهما - ومن تضع اليوم لايُرفعِ
أي أن الذي يضع قدره (صلى الله عليه وسلم).. لن يرفعه أحد بعد ذلك ..
فلما سمع الرسول (صلى الله عليه وسلم) هذا الكلام .. قال .. "اقطعوا عني لسانه .. وزيدوه إلى مائة"
فزادوا له في العطاء...
ولننظر إلى تعليق الرسول (صلى الله عليه وسلم).. وهو تعليق يدل على أن هؤلاء ما دخلوا في الإسلام إلا رغبا في هذه الأموال.. أو رهبا من الدولة الإسلامية.. وبعد ذلك حسن إسلام (العباس بن مرداس).. وصار من فضلاء الصحابة..
ولقد نجحت سياسة إعطاء الأموال لتأليف القلوب في تثبيت هؤلاء المسلمين الجدد على الإسلام.. وبالتالي تثبيت الدولة الإسلامية...
ورى مسلم عن (أنس) .. أنه قال.. إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا .. فما يُسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما فيها .. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 25 يونيو 2014, 11:32 | |
| الرسول يعطي صفوان بن أمية قبل أن يسلم
أعطى الرسول (صلى الله عليه وسلم) في يوم حُنين...أو عند توزيع غنائم حُنين ... بعض المشركين ..! ومن أشهر من أعطاهم ..زعيم مكة الكبير (صفوان بن أمية).. وكان لا يزال مشركا.. وأبوه الزعيم المشهور (أمية بن خلف).. و(أمية) قُتل كافرا في بدر... و(صفوان) اشترك في الحروب المتتالية ضد المسلمين.. وممن فرَّ من مكة بعد الفتح..
ولما أحس رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن هناك فرصة ولو قليلة لإسلام (صفوان).. أراد أن يجزل له العطاء بصورة أضخم فوق ما يتصور..
ووقف (صفوان) يشاهد الناس الذين توزَّع عليهم الغنائم مائة ومائة ومائة..
فنادى عليه (صلى الله عليه وسلم).. واعطاه 100 من الإبل..
لكن (صفوان) بقي واقفا .. منبهرا .. ينظر إلى شعب من شعاب حنين .. وهو قد امتلأ إبلا وشاءً..
فقال له (صلى الله عليه وسلم)... "أبا وهب.. يُعجبك هذا الشّعب؟"
أي .. هل تعجبك هذه الأغنام وهذه الإبل؟
قال (صفوان) في صراحة شديدة... نعم..
إنه منظر جميل ومغر...
كميات ضخمة من الأموال..
فرد عليه (صلى الله عليه وسلم) بكل بساطة .. وكأنه يتنازل عن جمل أو جملين.. "هو لك وما فيه" !!
أذهلت المفاجأة (صفوان).. ووضحت الحقيقة أمام عينيه.. والتي ظلت غائبة عنه سنين طويلة..
ولم يجد (صفوان بن أمية) نفسه إلا قائلا.. ما طابت نفس أحد بمثل هذا إلا نفس نبي.. أشهد أنه لا إله إلا الله... وأن محمدا عبده ورسوله..
فأسلم (صفوان) في مكانه ..
فأي خير أصاب (صفوان)..!
وأي خير تحقق لقبيلة بني جمح عندما أسلم زعيمها !
وأي خير تحقق لمكة !
وأي خير تحقق للمسلمين.. وقد أضيف إليهم قوة الزعيم المكيّ ا... الذي حسن إسلامه بعد ذلك... وصار من المجاهدين في سبيل الله..؟
إن كل هذا الخير قد تحقق بمجموعة من الإبل والشياه.. فما هي قيمة هذه الإبل والشياه التي إما تؤكل أو تموت ؟!
إن الدنيا بكاملها وليس الإبل والشياه فقط... تفنى وتزول.. لكن الذي لا يزول هو نعيم الجنة...
فأتت الأغنام في مقابل الإسلام... الدنيا في مقابل الآخرة.. فالدنيا هانت عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. فأعطاها دون تردد.. والدنيا عنده لا تعدل جناح بعوضة.. والدنيا عنده قطرة في بحر واسع..
وهذا لم يكن كلامًا نظريا فلسفيا.. وإنما رآه فيه (صلى الله عليه وسلم) كل الناس بعيونهم.. وكان واقعا في حياته.. وحتى في حياة الصحابة ..
فكان (صلى الله عليه وسلم) يعطي كما لم يعط أحد من العالمين.. حتى بعد ما أعطى هذا العطاء.. لم يتبق في يده شيء لنفسه (صلى الله عليه وسلم).. وقد تجاوز الستين (صلى الله عليه وسلم) ..ولم يحتفظ بشيء..
وحاصر الأعراب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يطلبون المال والأنعام .. حتى اضطروه وهو الزعيم المنتصر.. والقائد الأعلى... إلى شجرة.. فانتزعت رداءه..
فقال (صلى الله عليه وسلم) في أدب.. وفي رفق.. وفي لين يليق به كنبي.. ويجدر به كمعلِّم (صلى الله عليه وسلم)... "أيها الناس .. ردّوا علي ردائي.. فوالذي نفسي بيده لو كان لكم عندي عدد شجر تهامة نَعما لقسمته عليكم.. ثم لاتجدوني بخيلا.. ولا جبانا .. ولاكذابا.."
وصدق (صلى الله عليه وسلم) ..
فما كان بخيلا.. ولاجبانا .. ولا كذابا.. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 02 يوليو 2014, 10:48 | |
| الرسول يفسر بنفسه كل شيء
كان هذا هو فقهه (صلى الله عليه وسلم) يوم حُنين.. وكان هذا هو قراره في توزيع خمس الغنائم بالكامل على المؤلفة قلوبهم.. وكانت هذه أبعاد هذا القرار.. وكانت هذه تبعات هذا القرار.. وكانت هذه نتائج هذا القرار.. وكانت هذه هي الصورة في ذهن الرسول (صلى الله عليه وسلم)..
فهل استوعب كل الصحابة هذه الصورة ؟
وهل فهموا جميعا هذه الأبعاد وأدركوا هذه النتائج؟
وهل يا تُرى اقتنعوا جميعا بهذا القرار الذي أعطى المؤلَّفة قلوبهم... ولم يعطِ السابقين شيئا ؟
والحق أن الإجابة....هي لا..
لم يفهم كل الصحابة هذا الفهم في هذا الوقت..
نعم .. هناك من استوعب الموضوع بكامله.. لكن هناك من لم يستطع أن يدرك هذه الأبعاد النبيلة في فقهه (صلى الله عليه وسلم)..
فكان لا بد من الاستفهام والتساؤل...
ومن هؤلاء مثلا.. (سعد بن أبي وقاص)..
إذ ابدى الاستغراب وقال... يا رسول الله.. أعطيت عيينة والأقرع مائة.. وتركت جُعيل بن سُراقة الضمري؟!
وكان (جعيل بن سراقة) من فقراء المسلمين .. من أهل الصفة ..
فأجاب (صلى الله عليه وسلم) إجابة شافية ..
قال (صلى الله عليه وسلم).. "أما والذي نفس محمد بيده.. لجعيل بن سراقة خير من طِلاع الأرض كلهم.. مثل عيينة والأقرع بن حابس.. ولكني تآلفتهما ليسلما .. ووكلتُ جعيل بن سراقة إلى إسلامه"
الله الله الله ...
إذن .. هذه الكلمة تفسر كل شيء.. وهذه الكلمة كانت تعدل عند (جعيل) مال الأرض كله..
فليس معنى أنه (صلى الله عليه وسلم) أعطى واحدا ومنع الآخر.. أن الأول أفضل من الثاني.. بل على العكس.. إن (جعيل بن سراقة) أغلى من ملء الأرض من عيينة والأقرع.. مع أنه أقل منهما مالا .. وأقل وضعا اجتماعيا.. لكنه أعلى إيمانا.. وقدرا .. وأرسخ قدما في الإسلام ..
و (جعيل) فَقِه هذا المعنى... وهذه الشهادة من رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. فكانت عنده أغلى.. ليس من غنائم حُنين فقط ...ولكن أغلى من كل الدنيا...
لكن ..
كان هناك استنكار آخر .. من فئة عظيمة في الإيمان .. وذلك الاستنكار لم يكن من فرد منهم .. بل كان استنكارا جماعيا ..
فمن هم تلك الفئة ؟! | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 02 يوليو 2014, 10:48 | |
| غنائم حنين والأنصار
تكلمنا عن توزيع غنائم حنين .. وتقسيم أربعة أخماس الغنائم على الجيش بكامله.. ثم توزيع الخمس المتبقي على المُؤلفة قلوبهم من طلقاء مكة وزعمائها.. وكذلك زعماء القبائل العربية المختلفة.. وكان توزيعا سخيا.. فقد بلغ نصيب البعض 100 من الإبل.. وتجاوز هذا الرقم للبعض الآخر..
وكانت العلة في ذلك هو عمل النبي (صلى الله عليه وسلم) على استقرار الدولة الإسلامية.. ووازن (صلى الله عليه وسلم) بين مصلحة هذا الاستقرار .. وبين مفسدة حرمان المجاهدين الذين بذلوا الجهد.. الذين كانوا سببا من أسباب النصر يوم حنين ..
وهناك مجموعة من الصحابة .. لم تفهم هذا الموقف .. وهي مجموعة خطيرة في الإيمان.. وكانت هذه المجموعة من الأنصار... وغضب كثير منهم.. لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم يعطهم من الخمس المملوك للدولة .. مع أنه أعطى بسخاء مجموعةً حديثة العهد بالإسلام..رغم أنهم ما قدموا شيئا للإسلام.. وما شاركوا في تأسيس الدولة الإسلامية...
لكن .. قبل أن نلقي اللوم على أحد... لا بد من مراجعة بعض الحقائق التاريخية المهمة:
أولا
على أكتاف الأنصار ...قامت الدولة الإسلامية الأولى.. وقبل ظهور الأنصار لم يكن للمسلمين وطن يجمعهم ..بل كانوا مشتتين في الأرض.. فالبعض في مكة.. والبعض الآخر في الحبشة.. ومجموعة في القبائل.. فجعل الله الأنصار سببا في جمع شمل المسلمين.. وفي إقامة الدولة الإسلامية.. وذلك عندما استضافوا الرسول (صلى الله عليه وسلم) والمسلمين في مدينتهم...
ثانيا
أخذ الأنصار منذ اللحظة الأولى في دخولهم الإسلام ..القرار في مواجهة الأحمر والأسود من الناس.. فكانوا على علم أن إسلامهم يعني مفارقة العرب قاطبة.. وأنه قطع الحبال التي بينهم وبين اليهود.. وأنه مواجهة العالم.. لكنهم فعلوا ذلك بمنتهى التجرد..
ثالثا
صغر حجم المال في أعين الأنصار.. بل لعله كان منعدما.. لدرجة أنهم لا يرون لأنفسهم حقا في أموالهم الشخصية.. ويعطونها للآخرين بطيب نفس قلّ أن يوجد مثله في البشر.. وذكرنا مقاسمتهم لأموالهم بينهم وبين المهاجرين أجمعين.. بصرف النظر عن حالة الأنصاري الذي ينفق..
فمدحهم الله سبحانه في كتابه ..
(وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)
فحتى الفقير من الأنصار كان ينفق في سبيل الله... ويؤثر غيره على نفسه.. وهو محتاج.. وهذا ما طُبع عليه الأنصار بشهادة رب العالمين لهم...
رابعا
اشترك الأنصار في كل غزوات الرسول (صلى الله عليه وسلم).. بل كانوا الجانب الأعظم من الجيش في بدر أول مواقع المسلمين.. وكان عدد المجاهدين في بدر 313 رجلا.. كان الثلثان من الأنصار.. واستمر الأمر على ذلك في باقي الغزوات المتأخرة التي ازداد فيها عدد المسلمين جدا.. لكن في الغزوات الأولى كان معظم الجيش من الأنصار .. ولهم من المواقف المشرفة في التاريخ ما لا يحصى..
ومن أشهر المواقف موقف معركة أُحُد ..لما فرّ بعض المسلمين وأحبط بعضهم.. لكن ظل الأنصار ثابتين مدافعين عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وعن دين الله..
وفي الغزوة نفسها استشهد 7 من شباب الأنصار ..تحت أقدامه (صلى الله عليه وسلم).. وهم يدافعون عنه .. وضربوا في غزوة أُحُد أمثلة البطولة والفداء.. كسعد بن الربيع.. وحنظلة.. وأنس بن النضر.. وعبد الله بن حرام.. وخيثمة... وعمرو بن الجموح..
وبلغ عدد شهداء الأنصار ككل في معركة أحد .. 66 من أصل 70 شهيدا..
خامسا
كانت حالة الأنصار فقيرة على خلاف ما يتوقع الكثيرون.. والقارئ للسيرة يظن أن الأنصار كانوا أغنياء لكثرة عطاء الأنصار وكرمهم.. مع أن حالة المدينة الاقتصادية كانت منخفضة جدا.. وليس أدل من ذلك مواقف الجوع الكثيرة التي مرت بها المدينة المنورة.. ومن أشهرها حصار الأحزاب في أواخر العام الخامس الهجري.. وقبل هذه الواقعة بـ 3 سنوات .. فكانت المدينة في حالة فقر شديد..وكان معظم سكانها فقراء..
سادسا
هذه النقطة مهمة جدا .. ولا بد من وضعها في أذهاننا كخلفية رئيسية لغضب وحزن الأنصار ..بعد تقسيم غنائم حنين.. فبعد أن فر معظم الجيش.. نادى (صلى الله عليه وسلم) في البداية على أصحاب الحديبية ..
ثم خصّص فنادى على الأنصار .. "يامعشر الأنصار ... يامعشر الأنصار.."
فالأنصار هم رجال الأزمات... وفرسان المواقف الصعبة..
فقالوا دون تردد: لبيك يا رسول الله... أبشر نحن معك يا رسول الله.. يا لبيكاه...
ثم عادوا ووقفوا حول النبي (صلى الله عليه وسلم) يدافعون عنه.. وقادوا حملة مضادة على المشركين.. فغيّر الله من حال إلى حال.. وانقلبت الهزيمة إلى نصر ..
هذا تاريخ الأنصار منذ إسلامهم وحتى هذه اللحظة.. ومكانتهم في الإسلام لا ينكرها أحد..
فهذه خلفية لا بد منها قبل التحدث عن موقف الأنصار من غنائم حنين..
و ضع نفسك مكان الأنصار.. فبعد هذه المواقف التي حدثت منهم.. والانتصارات التي حققوها واقعا وتاريخا.. وإذا بثمرات النصر الصعب... والتضحية المتكررة ...توزع على الآخرين.. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 02 يوليو 2014, 10:48 | |
| موقف الأنصار
وجد الأنصار في أنفسهم حزنا عظيما ..
حتى قال بعضهم .. إذا كانت الشدة فنحن نُدعى... وتُعطى الغنائم غيرنا..
وقد ورد ذلك في الصحيحين عن أنس ..
وفي بعض الروايات قال بعضهم.. يغفر الله لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعطي قريشا ويتركنا.. وسيوفنا تقطر من دمائهم...
وكان موقفا في غاية الصعوبة ولافتا للنظر..
وقال بعض الأنصار... إن كان من أمر الله صبرنا.. وإن كان من أمر الرسول (صلى الله عليه وسلم) استعتبناه..
ففي قولهم الالتزام بالحكم للشرعي.. فلا بد من السمع والطاعة إذا صدر الأمر من الله.. ولو كان اختيارا بشريا من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ....عاتبناه على هذا الاختيار..
وقبل أن نلوم الأنصار على معاتبتهم لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
نضرب مثلا يقرب موقف الأنصار ...ويضعك في داخل هذا الموقف..
هب أنك عملت في شركة.. وهذه الشركة عملت فيها منذ بدايتها.. ووهبت لها عمرك ووقتك.. وأعطيتها كل ما تملك من وقت وجهد.. وغير ذلك.. وظللت هكذا عشر سنوات.. وعظم أمر هذه الشركة بعد ذلك بأعمالك.. وخلال هذه الفترة لم تطلب لنفسك في كل تاريخ الشركة أي شيء زائد عن الحد.. مع كونك تعمل أكثر مما يطلب منك..
وبمرور الأيام جاء من يعمل في الشركة إلى جوارك فإذا به سيئ الخُلق.. غير منضبط في عمله.. ويتحدث بالسوء عن صاحب الشركة..
ثم حققت الشركة نجاحا كبيرا في آخر السنوات العشر.. وكنتَ سببا في هذا النجاح.. بينما لموظف الجديد كان معوقا لهذا النجاح..
لكن .. عطى صاحب الشركة كلاً منكما راتبه.. ثم إذا به يعطي الموظف الجديد نصف مليون جنيه مكافأة زائدة عن المرتب..
الآن .. كن صادقا مع نفسك.. ماذا ستفعل ؟!
وهذا المبلغ ليس عشوائيا.. فثمن الناقة 5000 آلاف جنيه في زماننا.. فـ 100 من الإبل تساوي نصف مليون جنيه.. ولم يأخذ الأنصاري غير راتبه ونصيبه الشرعي.. وكذلك المؤلفة قلوبهم أخذوا نصيبهم الشرعي.. مع الزيادة التي نفلت لهم..
لذلك ..
كان الموقف في غاية الصعوبة.. ونعذر الأنصار فيه تماما..
فكيف كان الحوار بينهم وبين رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟! | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 02 يوليو 2014, 10:49 | |
| موقف سعد بن عبادة
على الرغم من كل ما ذكرناه.. فهذا الموقف لم يكن من عامة الأنصار.. بل كان من بعض شباب الأنصار..
وما يدل على ذلك ما رواه البخاري ومسلم في صحيحهما عن (أنس بن مالك)..
أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سأل عن الذي قال هذا الكلام معلنا اعتراضه.. قال فقهاء الأنصار: أما ذوو رأينا يا رسول الله فلم يقولوا شيئا.. وأما أناس حديثة أسنانهم قالوا: يغفر الله لِرَسُولِ اللَّهِ (صلى الله عليه وسلم).. يُعْطِي قُرَيْشًا وَيَتْرُكُنَا وَسُيُوفُنَا تَقْطُرُ مِنْ دِمَائِهِمْ...
وكان (سعد بن عبادة) زعيم الأنصار.. موافقا لهذا الرأي ..إلا أنه لم يبدِ ذلك.. وهذا الكلام واضح في رواية الإمام أحمد رحمه الله..
عندما قال (سعد بن عبادة).. يا رسول الله.. إن هذا الحي من الأنصار .. قد وجدوا عليك في أنفسهم لما صنعت في هذا الفيء الذي أصبت.. فقد قسمت في قومك.. وأعطيت عطايا عظاما في قبائل العرب.. ولم يكن في هذا الحي من الأنصار منها شيئا..
فقال له النبي (صلى الله عليه وسلم) .. "وأين أنت يا سعد؟"..
فقال (سعد) .. ما أنا إلا امرؤ من قومي...
أي أنا أشعر بما يشعرون به.. وإن لم أُبْدِ ذلك...
لذلك .. علينا أن نضع في حسباننا أن الأنصار بشر.. جُبِل البشر على حب المال.. فإذا كان هذا المال حلالا صرفا.. فما المانع من طلبه؟
وهناك أمر آخر في غاية الأهمية.. فقد كان الأنصار يخشون أن يتركهم النبي (صلى الله عليه وسلم).. ويعيش في مكة المكرمة خير بقاع الأرض.. وأحب بلاد الله إلى قلب الرسول (صلى الله عليه وسلم).. وفيها الأهل والعشيرة.. وفيها الطفولة والشباب والذكريات... وفيها أعز قبائل العرب قريش... وأهم مركز من مراكز التجارة في الجزيرة العربية.. ويفد إليها الناس جميعا من كل مكان.. وفيها من المقومات الكثيرة ما يجعل اختيارها كعاصمة للدولة الإسلامية أمرا مقبولا جدا ومتوقعا..
لقد خاف أحبابنا الأنصار من تغير الأحداث.. وأن النبي (صلى الله عليه وسلم) قد يتخذ رأيا جديدا .. فزعيم مكة قد أسلم .. فما المانع من السكن في مكة ؟!
وشعر النبي (صلى الله عليه وسلم) بما يدور في خَلَد الأنصار..
والذي ساعد على حل الأزمة .. عظمة (سعد بن عبادة) والأنصار جميعا في صراحتهم مع النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى أبعد درجة.. أما لو أنهم أخذوا بمثاليات غير واقعية.. وأنكروا وجود مشكلة .. لتفاقمت هذه المشكلة... وحينها يصعب الحل أو يستحيل... | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 02 يوليو 2014, 10:51 | |
| علاج الرسول لهذه الأزمة
كانت هذه بوادر أزمة خطيرة.. فسريان مثل هذا الشعور في نفس هذه الطائفة المهمة من الجيش ..قد يؤدي إلى كوارث مستقبلية.. وقد تعصف هذه الكوارث بالدولة الإسلامية..
وما الحل إذا بدأت مجموعة من الجنود بالانسلاخ عن جيش المسلمين؟
وبنظرة إلى منهج النبي (صلى الله عليه وسلم) الفريد .. نجده قد وضع حلولا عملية تجمع بين إقناع العقل وإرضاء العاطفة..
أولا
عدم التغافل عن النار التي تحت الرماد.. وكان الموقف الشرعي والعقلي لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) في توزيع الغنائم سليما تماما.. وهو الأولى بلا جدال.. فكلامه (صلى الله عليه وسلم) وحي يوحى .. ولذلك لم ينزل قرآن بخلاف ذلك .. ومع ذلك ... حرص (صلى الله عليه وسلم) على حل الموقف من بدايته.. ولم يقل كغيره من الناس: إذا كان رأيي صوابا فلا يضرني كلام الناس.. ولم يقل: إن الله راضٍ ومطلع على الأمر فليس هناك داعٍ إلى التوضيح .. ولم يقل: إن الأنصار شديدو الإيمان.. وهذا كلام عارض لن يؤثر في مستقبل الدولة الإسلامية.. ولم يقل: إن الأيام كفيلة بحل هذه القضايا.. ولم يقل: إني رسول الله وواجب عليهم طاعتي..
أبدا ..
لكنه (صلى الله عليه وسلم) أخذ في حل هذه القضية.. ولم يؤجلها ليوم واحد .. أو حتى لساعة واحدة.. كان (صلى الله عليه وسلم) حاسما في قراره.. وسريعا في حل الأزمة..
فقال (صلى الله عليه وسلم) لـ (سعد بن عبادة).. "فاجمع لي قومك في هذه الحظيرة"
ثانيا
أراد النبي (صلى الله عليه وسلم) ألا ينتشر هذا الأمر في عموم المسلمين.. فكان الاجتماع مقتصرا على الأنصار... لئلا يفتن بعضهم بالشبهة التي أثيرت.. وحتى لا يأخذ المسلمون موقفا سلبيا من الأنصار إذا تبين خطأ الأنصار.. ولتبقى صورة الأنصار كما هي عند عامة الناس... فجاء رجال فتركهم (صلى الله عليه وسلم) فدخلوا.. وجاء آخرون فردهم.. وسمح بدخول الأنصار فقط.. وبهذا حصر (صلى الله عليه وسلم) المشكلة في نطاق محدود..
وفي بعض الروايات كما يُروى عن (أنس).. أنه (صلى الله عليه وسلم) سألهم تصريحا.. "أفيكم أحد من غيركم؟"
فقالوا... لا...إلا ابن أخت لنا...
قال (صلى الله عليه وسلم).. "ابن أخت القوم منهم"
فالشاهد في ذلك أن كل الحاضرين من الأنصار....
ثالثا
ساعد على حل المشكلة .. حرصه (صلى الله عليه وسلم) على لقاء أصحاب المشكلة بنفسه.. ليسمع منهم ويسمعوا منه دون واسطة.. وقد لا تنقل الواسطة الكلام كما قيل.. وليس هذا تقليلا من شأنها .. لكن شعور الجنود بالقرب من قائدهم ..يساعد في حل الكثير من المشاكل.. ويساعد الحوار بين القائد والجنود على إخراج بعض القضايا التي يكتموها عنه.. وهذا يساعد على احتواء الأزمة في بدايتها...
رابعا
علل النبي (صلى الله عليه وسلم) بوضوح وصراحة ..الأمر الذي فعله أو تقسيمه للغنائم.. فذكر لهم السبب الذي من ورائه أعطى هؤلاء وترك الأنصار..
فقال (صلى الله عليه وسلم).. "إني لأعطي رجالا حديثي عهد بكفر لأتألّفهم بذلك"
فلم يعطهم (صلى الله عليه وسلم) لأدائهم المتميز.. أو لكفاءتهم في القتال.. أو لأنهم أهله وقبيلته وعشيرته.. بل يعلم النبي (صلى الله عليه وسلم) أن قلوبهم مترددة.. وأن أقدامهم ليست راسخة بعدُ في الإسلام.. ولذلك أعطاهم (صلى الله عليه وسلم).. وكانت هذه الكلمات في منتهى الوضوح... وبدون تورية لتحل المشكلة حلاًّ جذريا..
خامسا
لفت النبي (صلى الله عليه وسلم) نظر الأنصار إلى النصف المملوء من الكوب.. فليس من الصواب النظر إلى النصف الفارغ فتتشاءم.. أو النظر إلى النصف المملوء فقط فتتفاءل.. بل لا بد من النظر إلى كل الكوب لتتوازن النظرة..
فوضح لهم النبي (صلى الله عليه وسلم) أنهم وإن لم يأخذوا شيئا من الغنائم ومن العطايا السخية.. فقد استفادوا أشياء أخرى.. من ما قدمه النبي (صلى الله عليه وسلم) لهم.. وما استفادوه من اعتناقهم لهذا الدين.. وانضمامهم إلى هذا الكيان الجديد (الدولة الإسلامية)... فلا بد من النظرة المتوازنة.. حتى لا يشعروا بالغبن أو الظلم... ولم يترك النبي (صلى الله عليه وسلم) هذا الكلام دون توثيق.. فقد ذكر طرفا مما حصّله الأنصار في الإسلام.. وكان (صلى الله عليه وسلم) صريحًا في منتهى الوضوح.. ولم يشعر بالحرج وهو يعدد النعم على الأنصار..
فقال (صلى الله عليه وسلم) لهم .. "ما مقالةً بلغتني عنكم .. وجِدّةٌ وجدتموها علي في أنفسكم.. ألم آتكم ضُلاّلا .. فهداكم الله تعالى ؟! وعالة .. فأغناكم الله ؟! وأعداءً .. فألّف بين قلوبكم ؟!"
فهو (صلى الله عليه وسلم) يعدد نعما من نعم كثيرة لا تعد ولا تحصى.. وهل هذه النعم أثقل أم المائة الناقة التي أخذها هذا أو ذاك؟
وبدأ النبي (صلى الله عليه وسلم) بنعمة لا يُعدَلُ بها شيء.. وكأنه يقول لهم .. ألم آتكم ضلالا فهداكم الله بعد عبادتكم للأصنام التي صنعتموها بأيديكم؟ وهل نسيتم كيف كانت حياتكم.. وكيف كانت نظراتكم للحياة بصفة عامة؟ وهل نسيتم الجاهلية وانتقالكم بالإسلام من الظلمات إلى النور؟ وكيف صار لكم ذكر وشأن.. ليس في الجزيرة فقط.. بل في العالم أجمع...؟ وليس في زمانكم فقط.. بل إلى يوم القيامة؟ أليست هذه مكاسب واقعية.. وبجانب ربحكم للآخرة.. فقد غمرتكم النعم أيضا في الدنيا؟ ألم آتكم عالة فأغناكم الله؟ وأصبحتم دولة لها كيان ومركز ومكانة.. ولكم جيوش هنا وهناك... ولكم معاملات مع جميع العرب.. ولكم سفارات مع دول العالم.. ولكم تجارة هنا وهناك.. ولكم صولات وجولات وغنائم وانتصارات.. أهكذا كان وضعكم قبل الإسلام؟ ألم تكن يثرب قبل الإسلام مدينة بسيطة.. ليس لها تأثير على حياة العرب فضلا عن حياة العالم ؟ ألم آتكم أعداء فألف الله بين قلوبكم؟ أنسيتم حروبكم الدامية.. ودماء الأوس والخزرج التي سالت أعواما على أرض يثرب يوم بُعاث ؟ أنسيتم الكراهية والحقد والضغينة التي كانت تملأ قلوبكم قبل الإسلام؟
من المؤكد أن الجميع لم ينس هذا الأمر.. وكانت الكلمات ثقيلة جدا ... و وقعت كالصخر على أسماع الأنصار ..
ولم يجد الأنصار ما يقولوه غير ... لله ولرسوله المنّ والفضل..
بعد هذا العلاج الذي قدمه النبي (صلى الله عليه وسلم) لحل هذا القضية .. التي كادت أن تعصف بهذا المجتمع الذي قام على الحب والألفة.. صمت الأنصار ومنعهم أدبهم أن يعددوا أفضالهم على الدولة الإسلامية.. ومنعهم اقتناعهم أن الإسلام نعمة لا يعدلها شيء..
لكن النبي (صلى الله عليه وسلم) كان مشفقا عليهم..
فقال لهم (صلى الله عليه وسلم).. "ألا تجيبوني يا معشر الأنصار؟"
فقالوا في أدب جم .. وبماذا نجيب يا رسول الله؟ ولله ولرسوله المن والفضل.. وما أخذناه كان أكثر بكثير مما منع منا...
فبدأ النبي (صلى الله عليه وسلم) يرفع من روحهم المعنوية ..
فقال (صلى الله عليه وسلم) .. "أما والله لو شئتم لقلتم فلصدقتُم ولصُدّقتم: جئتنا طريدا فآويناك.. وعائلا فواسيناك .. وخائفا فآمنّاك .. ومخذولا فنصرناك .. ومكذبا فصدقناك.."
وإن كان أدب الأنصار منعهم من ذكر فضلهم على النبي (صلى الله عليه وسلم).. فهو (صلى الله عليه وسلم) لا ينكره ولا يجحده... بل اعترف به وقدره.. وكأنه يقول لهم .. بغيركم ما كانت هناك دولة.. وبدونكم ما كانت هناك نصرة.. صدقتموني ونصرتموني وآويتموني وأغنيتموني..
فلم ينطق الأنصار بكلمة واحدة .. وأصيبوا بحرج شديد..
فاستغل النبي (صلى الله عليه وسلم) هذا الصمت واستخدم وسيلة أخرى.. وهي تهوين حجم الخسارة في عيون الناس..
فقال (صلى الله عليه وسلم) في رقة شديدة.. "أوجدتم في أنفسكم يامعشر الأنصار في لعاعة من الدنيا.. تآلفتُ بها قوما ليُسلموا .. ووكلتكم إلى إسلامكم؟!"..
واللعاعة .. هي الشيء اليسير جدا ..
ثم استخدم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وسيلة أخرى لعلاج هذه القضية.. وحرك (صلى الله عليه وسلم) عواطفهم ومشاعرهم المرهفة .. التي تميزهم عن غيرهم ..
فقال (صلى الله عليه وسلم).. "ألا ترضون يا معشر الأنصار.. أن يذهب الناس بالشاة والبعير .. وترجعون برسول الله في رحالكم ؟!"
ثم أقسم لهم (صلى الله عليه وسلم) فقال .. "فوالذي نفس محمد بيده.. لولا الهجرة لكنتُ امرأ من الأنصار .. ولو سلك الناس شعبا وسلكت الأنصار شعبا .. لسلكتُ شعب الأنصار"..
ثم دعا الحبيب (صلى الله عليه وسلم) لهم .. فقال.. "اللهم ارحم الأنصار .. وأبناء الأنصار.. وأبناء أبناء الأنصار"
فبكى القوم حتى أخضلوا لحاهم... وقالوا.. رضينا برسول الله (صلى الله عليه وسلم) قسما وحظا..
ثم كانت الوسيلة الأخيرة وهي التذكير بالآخرة...
فقال (صلى الله عليه وسلم).. "إنكم ستجدون بعدي أثرة شديدة .. فأصبروا حتى تلقوني على الحوض"
وخرج المسلمون من الأزمة... ونجح النبي (صلى الله عليه وسلم) بهذا الأسلوب التربوي في معالجة قضية .. من أخطر القضايا في المجتمع الإسلامي.. ورضي الأنصار أن تُعرَّف كل هذه الغنائم الهائلة بكلمة لُعاعة.. وإنها لكذلك..! | |
|
| |
| سيرة سيد الخلق | |
|