| سيرة سيد الخلق | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الخميس 12 يونيو 2014, 11:22 | |
| رسول الله يساعد مشركي مكة .. بالطعام
بعد أن نفذ (ثمامة) تهديده .. وتمت المقاطعة بالفعل.. ومنع عنهم الغذاء عن مكة.. فتأثرت مكة بشدة من المقاطعة وكادت أن تهلك.. وفشلت محاولاتها في إقناع (ثمامة) بالعدول عن المقاطعة... لكنه أصر .. بل ربط بين فك المقاطعة وموافقة النبي (صلى الله عليه وسلم)..
فماذا تتصورون فعلت قريش ؟!
لقد أسقط في يديها ..
ولم تجد مفرا .. إلا أصعب حل .. وهو أن تذهب متوسلة .. إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. واستعطافه (صلى الله عليه وسلم).. ليأذن لـ (ثمامة) بمعاودة التجارة مع قريش...!!!
سبحان الله .. !
(وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ)
وكان موقفا عظيما يوم ذهبت قريش..
وهي متنازلة عن كبريائها .. وغطرستها ..
لتسأله (صلى الله عليه وسلم) .. وتطلب منه .. وترجوه ..
وتستحلفه بأرحامهم أن يكتب إلى (ثمامة بن أثال) .. ليعدل عن قراره .. !
وهذا يدل على أمرين ..
الأول.. هو موقف (ثمامة) الإيجابي ... الذي لم يرض أن تعادي قريش المسلمين وتكيد لهم.. وتعقد التحالفات للقضاء عليهم... ثم بعد ذلك يُطعمهم .. ولم ينكر عليه الرسول (صلى الله عليه وسلم) هذه المقاطعة..
والثاني .. فبالرغم من كل الأذى الذي أحدثته قريش بالمسلمين عامة .. وبه (صلى الله عليه وسلم) خاصة.. سواء في مكة أو في المدينة.. إلا أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) الرءوف الرحيم ... رق قلبه لقريش... ووافق على طلبهم ..
ثم أرسل (صلى الله عليه وسلم) إلى (ثمامة) يأمره أن يتخلى عن المقاطعة الاقتصادية مع قريش..
ففعل (ثمامة) ما أشار به رسوله الكريم .. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الخميس 12 يونيو 2014, 11:23 | |
| غزوة بني لحيان
كان لابد لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) من تأديب قبيلتي عضل وقارة .. فبدأ (صلى الله عليه وسلم) بهما بسبب غدرهما بأصحاب النبي .. عند ماء الرجيع إذ قتلا من أصحابه (صلى الله عليه وسلم) .. 10 أنفار .. بعد أن أوهموهم أنهم يريدون أن يتعلموا الإسلام...
ولقد كان وقع تل المصيبة عليه (صلى الله عليه وسلم) وعلى المسلمين .. كبيرا .. لدرجة أنه (صلى الله عليه وسلم) ظل يدعو عليهم في قنوته لمدة شهر كامل ..
لذلك ..فبمجرد أن وجد الفرصة مهيأة لقتالهم ... أعد لهم العدة ... بل قرر الخروج بنفسه على رأس الجيش.. فكانت الغزوة التي عرفت في التاريخ بغزوة بني لِحيان.. وبنو لحيان ...هي القبيلة التي تنتمي إليها قبائل عضل وقارة...
وأن خروجه (صلى الله عليه وسلم) في هذه السرية .. كان مؤشر خطير جدا.. لكنه كان مهما لعدة أسباب ..
منها .. أن قبائل بني لحيان قوية ومقاتلة.. واشتهرت بالغدر وتسليب الناس .. ونصبت للمسلمين كمائن على الطريق ..
ومنها .. أن مساكنهم كانت تبعد عن المدينة .. بمسافة 400 كم جنوبا .. فهي قريبة على مكة .. وعلى بعد 90 كم منها فقط .. ولا يُستبعد أن تدرك قريش أن جيش المدينة على مقربة منها ...فتخرج له...
فكل هذه الأمور تجعل هذه الغزوة فعلا خطيرة..
ولقد خرج (صلى الله عليه وسلم) بـ 200 من الصحابة .. وكان معه مجموعة من الفرسان أيضا...
بداية .. اتجه شمالا .. ليوهم الناس أنه يسير لناحية الشام .. ! ثم غير اتجاهه إلى الجنوب... ليضلل عيون العدو...
ثم وصل (صلى الله عليه وسلم) إلى ديارهم بالفعل.. لكنه فوجئ بأنهم قد اكتشفوا قدومه... فهربوا في رءوس الجبال.. وتركوا ديارهم خالية ..
وهذا وإن كان غير مراده (صلى الله عليه وسلم) .. إلا أنه ترك أثرا إيجابيا في المنطقة كلها.. لأن العربي لم يكن من شيمته الهروب .. والجبن صفة ممقوتة تماما لا يجب أن يوصف بها أبدا.. وخاصة أن القبيلتين قويتان ولهما تاريخ في الحروب والقتال والغزو.. لكن الله سبحانه ... ألقى الرعب في قلوبهم ... فلم يفكروا أصلا في المقاومة ولم يفكروا في صورتهم أمام القبائل العربية الأخرى وكان هذا انتصارا كبيرا للمسلمين ..
أما الرسول (صلى الله عليه وسلم) ... فلم يكتف بهذا الانتصار ... بل مكث في ديار بني لحيان ... يومين كاملين ..يبث السرايا للبحث عنهم في كل مكان لكنه لم يعثر على أحد منهم..
بل أنه (صلى الله عليه وسلم) فعل أكثر من ذلك .. إذ أرسل سرية من 10 فوارس في اتجاه مكة ... حتى بلغت كُراع الغميم ... أي على بعد حوالي 64 كم من مكة.. وأمرهم أن يظهروا أمرهم وأن يعلم بهم أهل مكة.. ويوهموا الناس بغزوهم ليلقي الرعب في قلوب القرشيين....!
وقد حدث ما تمناه الرسول (صلى الله عليه وسلم) .. وفزعت قريش... ونفرت إلى السلاح...
لكن (صلى الله عليه وسلم) .. ترك مكة وعاد إلى المدينة .. فلم يكن مستعدا لقتال ضخم مع جيش مكة وإنما فقط أراد (صلى الله عليه وسلم) إرهابهم ...وقد تحقق له ما أراد... | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الخميس 12 يونيو 2014, 11:25 | |
| غزوة ذي قرد
عاد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى المدينة .. بعد غياب أسبوعين كاملين.. وبمجرد عودته .. أغار المشرك (عيينة بن حصن الفزاري) من فرع فزارة من قبائل غطفان.. على منطقة تابعة للمسلمين خارج المدينة تسمى (الغابة) ... فأخذ منها إبلا وشياه للمسلمين... وقتل ابن الصحابي (أبي ذر الغفاري).. واختطف امرأة (أبي ذر الغفاري)...!.. ثم هرب (عيينة) في اتجاه الشمال الشرقي للمدينة .. ناحية منازل غطفان..
وصل النبأ بسرعة إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. وكان الذي حمل النبأ هو الصحابي (سلمة بن الأكوع).. وكان من أعظم الرماة في الإسلام... فأخبر الرسول (صلى الله عليه وسلم).. ثم عاد مسرعا إلى منطقة الغابة.. وظل يرمي الفرقة المغيرة... فقتل بعضهم ..!
ثم أخرج (صلى الله عليه وسلم) فرقة سريعة الحركة من الفرسان .. وأمر عليهم (سعد بن زيد الأنصاري).. وكان فيها مجموعة من خيار فرسان الصحابة ..
ثم قال (صلى الله عليه وسلم) لأميرهم (سعد) .. " اخرج في طلب القوم حتى ألحقك بالناس"
وبالفعل خرجت هذه الفرقة السريعة .. وتبعها (صلى الله عليه وسلم) بجيش من المسلمين.. وأدركوهم عند منطقة تسمى (ذا قرد) .. على بعد 35 كم شمال شرق المدينة..
وقتل الصحابي (أبو قتادة) رجلا من المشركين.. وقتل الصحابي (عكاشة) رجلين.. واستنقذ المسلمون بعض الإبل والشياه.. وفرت المرأة المسلمة امرأة (أبي ذر) ونجت بنفسها إلى المدينة المنورة.. وهرب (عيينة بن حصن) ومن معه ببعض الإبل..
ثم طلب الصحابي (سلمة بن الأكوع).. من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. اعطائه 100 من الرجال يغزو بهم قبائل غطفان ليسترد ما بقي من الإبل.. لكن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) رفض.. وذلك لأن قبائل غطفان قوية جدا.. ومنازلها بعيدة.. ولا يريد أن يدخل في صراع معهم وهو لم يعد العدة الكافية لذلك...
وهذه واقعية من النبي الكريم..
بث السرايا في أنحاء الجزيرة العربية
بدأ (صلى الله عليه وسلم) يرسل السرايا لقتال كل القبائل التي شاركت في حصار الأحزاب.. أو القبائل التي اشتركت في قتال المسلمين قبل ذلك..
فخرجت السرايا التالية ..
سرية (عكاشة بن محصن) .. إلى غَمْر مرزوق .. وهم تابعين لفرع من فروع بني أسد على مسافة من المدينة المنورة ..
سرية (محمد بن مسلمة) إلى ذي القصة لقتال بني ثعلبة.. على مسافة 55 كم شمال المدينة..
سرية (أبي عبيدة بن الجراح) .. لنفس المنطقة .. ولنفس الهدف ..
سرية (زيد بن حارثة) إلى منطقة تعرف بالجموم .. تبعد 100 كم من المدينة..لقتال بني سليم..
سرية (زيد بن حارثة) إلى منطقة أخرى تعرف بالعيص .. شمال غرب المدينة.. على طريق القوافل المتجهة إلى الشام .. لاعتراض قافلة قرشية .. ونجحت السرية في مهمتها..
سرية (زيد بن حارثة) إلى منطقة تسمى الطرف ... على بعد 36 كم من المدينة.. على طريق العراق .. للإغارة على بني ثعلبة ..
وهنا سؤال ..
لماذا كان النبي يركز على قيادة (زيد بن حارثة) للسريات يا ترى ؟! | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الخميس 12 يونيو 2014, 11:26 | |
| رسالة الرسول لهرقل
قرر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في هذه الفترة .. أن يرسل رسالة إلى هرقل .. وكان هذا حدث مهم جدا ..
فنحن نعلم أن هذه الرسالة هي من رئيس دولة صغيرة جديدة .. وهي دولة المدينة المنورة.. وجيشها على أكبر تقدير 3000 جندي.. وعمرها لايتجاوز 3 سنوات .. وأسلحتها بسيطة وعلاقاتها في العالم محدودة جدا..
ومع ذلك .. يُرِسل زعيمها رسالة إلى هرقل قيصر الروم.. الزعيم الأعظم للدولة الأولى في العالم الإمبراطورية الرومانية .. التي تسيطر على نصف أوربا الشرقي.. إضافةً إلى تركيا والشام بكامله.. ومصر والشمال الإفريقي.. وجيوشها تقدر بالملايين بلا مبالغة... والأسلحة متطورة جدا.. وتاريخها في الأرض أكثر من ألف سنة..
فلا بد أن يكون هذا .. أمرا عظيما جدا ..
فماذا كتب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في رسالته لهرقل الروم ؟!
"بسم الله الرحمن الرحيم.. من محمد عبد الله ورسوله .. إلى هرقل عظيم الروم.. سلامٌ على من أتبع الهدى.. أسلِم تسلَم.."
هكذا في منتهى الوضوح... أسلم تسلم...
ثم كتب .. "يؤتك الله أجرك مرتين .. فإن توليت فإن عليك إثم الاريسيين"
ثم كتب .. آية من آيات الله ..
(قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)
وهكذا .. نرى الوضوح والقوة والعزة والحكمة في كل كلمة من كلمات الخطاب.. بل علينا دراسة هذا الخطاب .. وتحليله سطرا سطرا ..
منها .. حرصه (صلى الله عليه وسلم) على ظهور عزته وعزة الدولة الإسلامية .. في كل كلمة من كلمات الخطاب.. فبدأ باسمه قبل اسم هرقل.. وهذه إشارة خطيرة في ذلك الزمن .. ثم دعاه مباشرة للدخول في الإسلام... في صيغة ليس فيها تردد..
ومنها .. أنه مع إظهار هذه العزة والقوة .. إلا أنه (صلى الله عليه وسلم) لم يقلل من قيمة الطرف الآخر.. بالعكس .. فقد رفع قدره .. وحفظ له مكانته حين قال (إلى هرقل عظيم الروم).. وأيضا جمع بين الترهيب والترغيب بقوله (أسلم يؤتك الله أجرك مرتين).. ثم يقول مهددا (فإن توليت فإن عليك إثم الأريسيِّين)..
ومنها .. حسن اختيار الآية المناسبة من القرآن الكريم.. فقد أتى بآية تقرب قلوب أهل الكتاب.. وتوضح أن هناك قواسم مشتركة كثيرة بيننا وبينهم.. حتى يفتح عقولهم للتفكير.. ويرفع حواجز كثيرة جدا بين الطائفتين المسلمة والنصرانية...
فماذا حصل بعد ذلك ؟!
وما زلنا ننتظر .. سبب اختيار (زيد بن حارثة) .. لكل تلك السرايا .. فترقبوا ...
رد هرقل على رسالة النبي
هرقل .. هو زعيم الدولة الرومانية.. وهي دولة كانت تسيطر تقريبا على نصف مساحة العالم في ذلك الوقت..
فماذا فعل هرقل .. حينما تسلم رسالته (صلى الله عليه وسلم) ؟!
لقد أخذ هرقل .. الأمر بمنتهى الجدية .. مع أنه زعيم أكبر دولة في العالم وهو يتسلم رسالة من زعيم دولة لم يسمع عنها أحد.. وهذه الدولة خرجت في بلاد العرب.. والرومان كانوا ينظرون إلى بلاد العرب نظرة دونيّة.. ويرونهم دائما أقل من أن يهتم أحد بشأنهم... أو يدرس أحوالهم.. فهؤلاء العرب قوم يعيشون حياة البداوة في أعماق الصحراء .. بعيدون كل البعد عن كل مظاهر الحضارة والمدنية.. وهم متفرقون ومشتتون.. وأحلامهم بسيطة وأعدادهم محدودة وأسلحتهم بدائية.. والفارق بينهم وبين إمبراطورية الرومان الهائلة... كالفارق بين السماء والأرض أو يزيد.. وحينما كان يدور الصراع بين فارس والروم .. فإن أقصى ما يفعله العرب .. هو المراقبة من بعيد .. والمراهنة على من سيكسب .. ولم يكن عندهم طموح من قريب ولا من بعيد ... في المشاركة ..
مع كل ذلك .. فلقد أخذ هرقل أمر تلك الرسالة .. بمنتهى الجدية .. ولم ينكر أن يكون ذلك الرجل نبيا حقًا... ولم يكن ينقصه إلا التأكد فقط..
وحين نقرأ عن هرقل .. نشعر أنه كان زعيما نصرانيا متدينا ملتزما إلى حد كبير بتعاليم النصرانية.. وكان يعلن كثيرا أن الرب يساعده في معاركه حتى إنه نذر أن يحج إلى بيت المقدس ماشيا على قدميه من حمص إلى القدس.. شكرا لله على نصر الرومان على الفرس..
ورجل مثل هرقل ... لا بد أنه قد قرأ في التوراة والإنجيل أن هناك رسولاً سيأتي.. وأن هذا الرسول بشر به موسى وعيسى عليهما السلام... وكان هرقل ينتظر هذا الرسول.. وهذا الرجل الذي أرسل له الرسالةَ .. وهو (صلى الله عليه وسلم) .. يذكر له فيها أنه نبي آخر الزمان..
الغريب .. أن هرقل .. آمن بالفكرة .. ولعله اشتاق لرؤية ذلك النبي...
فماذا فعل ؟!
هرقل وأبو سفيان
أمر هرقل جنوده أن يأتوا ببعض العرب.. لكي يسألهم عن هذا النبي الذي ظهر في بلادهم... واستطاع الجنود الإمساك ببعض التجار .. الذين كانوا يتاجرون في غزة بفلسطين.. وكان من بين هؤلاء التجار (أبو سفيان بن حرب) زعيم قريش.. إذ أمسكه بعض الجنود... وأخذوه إلى هرقل في بيت المقدس..
والتوقيت عجيب من كل النواحي... فكأن الله أرسل (أبا سفيان) الذي كان كافرا حينها .. ليقيم الحجة على هرقل !
فسأل هرقل التجار .. أيكم أقرب نسبا لهذا الرجل الذي يزعم أنه نبي..
فقال (أبو سفيان) .. أنا أقربهم نسبا إليه..
فقال هرقل... أدنوه مني.. وقربوا أصحابه.. فاجعلوهم عند ظهره..
ثم قال لترجمانه... قل لهم: إني سائلٌ هذا الرجل (يعني أبا سفيان).. فإن كذبني فكذبوه..
فهرقل يريد أن يعرف بجدية كل شيء عن هذا النبي فسأل أقرب الناس إليه نسبا... ليكون على معرفة تامة به.. وفي الوقت نفسه جعل وراء أبي سفيان مجموعة التجار الآخرين كحكّام على صدقه..
وتحت تأثير إرهاب هرقل وبطشه (أبو سفيان) سوف يخاف أن يكذب.. ومَن وراءه سوف يخافون أن يكذبوا... علما أن العرب كانت تستنكر صفة الكذب هذه .. وتعتبرها نوعا من الضعف غير المقبول ..
حتى إن (أبا سفيان) كان يقول تعليقا على كلمة هرقل هذه..
فوالله لولا الحياء من أن يأثر أصحابي عني الكذب لكذبته حين سألني عنه.. ولكني استحييت أن يأثروا الكذب عني فصدقته..
فهو في هذه اللحظة .. رغم كرهه للرسول (صلى الله عليه وسلم) .. إلا أنه لا يستطيع أن يكذب على محمد (صلى الله عليه وسلم).. ولا يحب أن يشوّه صورته بالكذب..
لدرجة أنه في رواية كان يقول...ولكني كنت امرأً أتكرَّم عن الكذب..
وبدأ استجواب هرقل لأبي سفيان أمام الجميع من العرب والرومان .. وفي حضور عِلية القوم من الأمراء والوزراء والعلماء من الرومان..
قال هرقل ... كيف نسبه فيكم ؟!
قال (أبو سفيان) .. هو فينا ذو نسب...
قال هرقل... فهل قال هذا القول من قبلكم أحد قَطُّ قبله؟
قال (أبو سفيان) .. لا... لم يدَّعِ أحد في تاريخ العرب النبوة.
فقال هرقل.. هل كان من آبائه من مَلِك؟
فقال (أبو سفيان) .. لا.
قال هرقل: فأشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟
قال (أبو سفيان) ... بل ضعفاؤهم.
قال هرقل: أيزيدون أم ينقصون؟
قال (أبو سفيان).. بل يزيدون.
قال هرقل: فهل يرتد أحد منهم سخطةً لدينه بعد أن يدخل فيه؟
قال (أبو سفيان).. لا.. لا يرتد منهم أحد.
قال هرقل: فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟
قال (أبو سفيان).. لا.
قال هرقل: فهل يغدر؟
قال (أبو سفيان).. لا... ونحن منه في مدةٍ لا ندري ما هو فاعل فيها..
لاحظ أن (أبو سفيان) لم يستطع أن يطعن في رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. لأسباب عديدة .. أولها مخافة أن يُتهّم هو بالكذب بين أعوانه ..
ثم قال هرقل: فهل قاتلتموه؟
قال (أبو سفيان).. نعم.
فقال هرقل: فكيف كان قتالكم إياه؟
قال (أبو سفيان).. الحرب بيننا وبينه سجال..
قال هرقل: بماذا يأمركم؟
قال (أبو سفيان) يقول: اعبدوا الله وحده.. ولا تشركوا به شيئا .. واتركوا ما يقول آباؤكم ويأمرنا بالصلاة والصدق والعفاف والصلة.
انتهى الاستجواب الطويل من هرقل..
وبدأ هرقل يحلل كل كلمة سمعها.. حتى يخرج باستنتاج..
فقال هرقل .. سألتك عن نسبه.. فذكرت أنه فيكم ذو نسب.. وكذلك الرسل تبعث في نسب من قومها.. وسألتك: هل قال أحد منكم هذا القول قبله؟ فذكرت أن لا.. فلو كان قال أحد هذا القول قبله .. لقلتُ رجل يأْتَسي بقول قيل قبله.. وسألتك: هل كان من آبائه من ملك؟ فذكرت أن لا.. فلو كان من آبائه من مَلِك.. قلتُ: رجلٌ يطلب مُلك أبيه.. وسألتك: هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فذكرت أن لا.. فقد عرفتُ أنه لم يكن ليذر الكذب على الناس ويكذب على الله.. وسألتك: أشراف الناس اتبعوه أم ضعفاؤهم؟ فذكرت أن ضعفاءهم اتبعوه.. وهم أتباع الرسل.. وسألتك: أيزيدون أم ينقصون؟ فذكرت أنهم يزيدون... وكذلك أمر الإيمان حتى يتم... وسألتك: أيرتد أحد منهم سخطة لدينه بعد أن يدخل فيه؟ فذكرت أن لا.. وكذلك الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب... وسألتك: هل يغدر؟ فذكرت أن لا... وكذلك الرسل لا تغدر.. وسألتك: بماذا يأمر؟ فذكرت أنه يأمركم أن تعبدوا الله.. ولا تشركوا به شيئًا وينهاكم عن عبادة الأوثان.. ويأمركم بالصلاة والصدق والعفاف والصلة..!
ثم قال هرقل لـ (أبو سفيان) كلمة .. في غاية الخطورة ..
قال .. فإن كان ما تقوله حق فسيملك موضع قدمي هاتين.. وقد كنت أعلمُ أنه خارج... لم أكن أظن أنه منكم.. فلو أني أعلم أني أخلصُ إليه لتجشَّمْتُ لقاءَه... ولو كنت عنده لغسلتُ عن قَدَمه..
!!!
إنها كلمات خطيرة وعجيبة من زعيم الإمبراطورية الرومانية.. فقد أيقن هرقل من أول وهلة أن هذا الرجل رسول حقًّا.. وأن ملكه سيتسع حتى يأخذ بلاد الشام.. وأنه يجب الاتباع له والانصياع الكامل لأمره.. والتواضع الشديد لدرجة أن هرقل يتمنى أن لو غسل قدمي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
ثم دعا هرقل بكتاب الرسول (صلى الله عليه وسلم) .. والمرسَل مع (دحية الكلبي) .. وقرأ هذا الكتاب في وجود (أبي سفيان)..
وبعد أن أتم قراءته .. سمع هرقل أصواتا عالية.. وكثر اللغط.. وضجت القاعة بالاعتراض على كل كلمة من كلمات هذا الكتاب النبوي.. لأن زعماء النصارى وأمراء الجيوش وعلماء الدين الموجودين .. رفضوا دعوة الدين هذه ..
ولما حدث ذلك .. أمر هرقل بـ (أبي سفيان) ومن معه من تجار أن يخرجوا من القاعة... ورأى (أبو سفيان) - الذي لم يؤمن برسول الله بعد - رهبة هرقل عندما سمع قصته (صلى الله عليه وسلم).. ورأى ابن أخيه يكتب الرسائل إلى زعماء الدول الكبرى .. فترك هذا الموقف أثرا نفسيا هائلا عنده .. حتى إنه ضرب يدا بالأخرى...
وقال .. لقد أمِرَ أمرٌ ابن أبي كبشة..
أي عَظُم أمر ابن أبي كبشة.. يقصد الرسول (صلى الله عليه وسلم) ..
ثم قال (أبو سفيان) .. إنه ليخافه مَلكُ بني الأصفر...
هرقل يعترف بالإسلام ولكنه يفضل الملك
لقد كان هرقل على استعداد لاتباع الرسول (صلى الله عليه وسلم) .. لكن في المقابل ... كانت هناك ثورة كبيرة في داخل البلاط الملكي ترفض تماما فكرة الإسلام...
وأدرك هرقل أنه لكي يعلن رغبته في اتباع الرسول (صلى الله عليه وسلم) .. عليه أن يغامر بملكه.. وأن يخاطر بسيادته على شعبه.. فالأمراء من الممكن أن يخلعوه من ملكه..
وفي رواية أنه قال للصحابي (دحية الكلبي).. والله إني لأعلم أن صاحبك نبي مرسل.. وأنه الذي كنا ننتظره.. ونجده في كتابنا.. ولكني أخاف الروم على نفسي.. ولولا ذلك لاتبعته...
وفي رواية ثانية ذكرها ابن كثير ... أن هرقل استدعى الأسقف الأكبر للرومان فدخل عليه.. وكان كل الناس في الرومان يطيعون أمر هذا الأسقف الكبير.. فعرض عليه هرقل الكتاب..
فلما قرأ الأسقف الكتاب قال... هو والله الذي بشرنا به موسى وعيسى الذي كنا ننتظر..
قال هرقل.. فما تأمرني؟
فقال الأسقف: أما أنا فإني مصدقه ومتبعه..
فقال هرقل .. أعرف أنه كذلك.. ولكني لا أستطيع أن أفعل.. وإن فعلت ذهب ملكي وقتلني الروم..
وكان هذا الأسقف اسمه (ضغاطر) .. فخرج للرومان.. ودعاهم إلى الإيمان بالله وبرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) .. وأعلن الشهادة أمام الجميع..!
موقف شجاع من هذا العالِم... وقام الناس فقفزوا عليه قفزة واحدة.. فضربوه حتى قتلوه.. فلقي ربه شهيدا ..
وكان هذا الأسقف أعظم شخصية في الدولة الرومانية.. حتى إنه كان أعلى من هرقل عند الناس.. وسمع هرقل بقتل هذا الرجل الكبير.. ولم يستطع أن يفعل شيء.. وفي هذا دلالة على ضعفه الشديد أمام الكرسي الذي يجلس عليه.
وما فعله هرقل لا يمكن أبدا أن يعذر فيه... مهما كانت الفتنة التي سوف يتعرض لها بعد ذلك... ومهما كان راغبا في المُلك أو من الموت..
أو كما يقول العلماء .. لو أراد الله هدايته .. لوّفقه كما وفّق النجاشي (رحمه الله) ..
ثم أمر هرقل .. اعطاء (دحية الكلبي) بعض الهدايا لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..
لكن .. هل اكتفى هرقل بذلك الرد السلبي فقط ؟!
| |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 18 يونيو 2014, 10:14 | |
| قبيلة جذام واعتراض (دحية الكلبي)
في أثناء عودة (دحية الكلبي) إلى المدينة .. اعترضه أحد زعماء قبيلة جذام التي تسكن في هذه المنطقة.. وهو (الهنيد بن عوص) وابنه ومجموعة من رجال القبيلة .. وأخذوا منهم هدايا هرقل .. لكن سمع بذلك مجموعة من بني الضبيب ...وهم من المسلمين .. فهبوا لنجدة (دحية الكلبي)..
وبالفعل استردوا له الهدايا ... وحملها (دحية الكلبي) إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم)..
وعندما أخبر (دحية) النبي بما حدث .. قرر (صلى الله عليه وسلم) أن لا يجعل هذا الموقف يمر دون وقفة ... حتى وإن كانت الهدايا قد استردت.. ليعلم الجميع أن هيبة الأمة الإسلامية لا يجب أن تنتقص أبدا.. وأن أي إنسان أو قبيلة تسول لها نفسها التعدي على حرمة هذه الأمة ... ولو كان هذا التعدي على رجل واحد أو امرأة واحدة.. فبالتأكيد سينال عقابه ..
لذلك قرر (صلى الله عليه وسلم) أن يخرج جيشا لعقاب قبيلة جذام .. وبخاصة (الهنيد بن عوص) وابنه ..
فمن يُرسل يا ترى لقيادة هذا الجيش ؟!!
إنه .. (زيد بن حارثة) .. !!
فخرج (زيد) في 500 رجل .. وهي من اكبر السرايا التي خرجت من المدينة.. وأخرجها (صلى الله عليه وسلم) بهذا الحجم لأن مهمتها صعبة.. ولا مدد لها من المدينة لبعد المسافة...
وخرج (زيد) بهذا الجيش الكبير .. وكان يسير ليلا ويمكث نهارا حتى لا تكتشفه عيون العدو.. فباغتت هذه السرية الكبيرة قبيلة جذام في الصباح .. وقتل منهم عددا.. وكان من بين القتلى (الهنيد) وابنه.. وساق (زيد) من ماشيتهم 1000 بعير .. و 500 شاة .. ومن السبي 100 من النساء والصبيان..
لقد كان هذا انتصارا هائلا.. وحدثا مدويا.. إذ عرف الجميع أن انتقاص هيبة الدولة الإسلامية يعني الحرب والقتال والجهاد.. ولا بد لكل أهل الجزيرة أن يعلموا هذا الأمر جيدا .. ويدركوا هذه القيمة العالية للدولة الإسلامية الناشئة في المدينة..
العجيب في الأمر .. أنه مع كون المسلمين يعيشون أزمة اقتصادية كبيرة بعد الأحزاب .. إلا أنه (صلى الله عليه وسلم) أعاد كل هذه الغنائم مرة ثانية إلى جذام...!!!
فلماذا أعادها (صلى الله عليه وسلم) ؟!
لقد جاء إليه (زيد بن رفاعة الجذامي) أحد أفراد قبيلة جُذام .. وكان قد أخذ قبل ذلك كتابا بالأمان منه (صلى الله عليه وسلم)... عندما أسلم هو وبعض أفراد قبيلته ..
ومع أن الكتاب قد نقضه عندما غدرت قبيلة جذام بـ (دحية الكلبي).. إلا أنه (صلى الله عليه وسلم) آثر أن يكسب قلوب القبيلة .. بإعادة الأموال والغنائم وإطلاق النساء والصبيان.. خاصة وقد ظهرت للجميع هيبة الدولة الإسلامية وقوتها وعزتها ..وتحقق الهدف من السرية.. وقد تكون إعادة الغنائم والسبي سببا في ثبات المؤمنين في القبيلة على الإيمان .. وسببا في إسلام من لم يسلم بعد...
فكأنه (صلى الله عليه وسلم) يثبت للجميع .. إنه لا يقاتل من أجل المال والغنائم والسبي والدنيا بكاملها.. وإنما لإعلاء كلمة الله سبحانه .. ولأجل تعبيد الناس لرب العالمين. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| |
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| |
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 18 يونيو 2014, 10:18 | |
| مجلس سريع
كان الموقف خطير فعلا..
فوقف (صلى الله عليه وسلم) وبدأ يأخذ الشورى..
وكان (صلى الله عليه وسلم) لا يترك الشورى في أي موقف من المواقف..
إلا لو كان هناك أمر مباشر من الله .. سبحانه وتعالى ..
فسأل (صلى الله عليه وسلم) أصحابه .. ماذا يصنعون؟!
وأتى رأي .. أن يلتف المسلمون خلف قبائل الأحابيش المتحالفة مع قريش..
ويغيرون على ديارهم ومساكنهم.. فيسبون ويأسرون..
ويكون ذلك لهم عزة ومنعة وقوة على الكافرين..
فكان ممن تكلم حبيبنا (أبو بكر) ..
قال .. الله ورسوله أعلم.. إنما جئنا معتمرين ولم نجئ لقتال أحد.. ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه..
فرأى الصديق أن لا نسعى إلى قتال..
ولا نذهب إلي قبائل الأحابيش..
ولا نقاتل هذا الجيش ..
بل نكمل الطريق في محاولة للوصل إلى هذا البيت ..
فجيش المشركين في كراع الغنيم للتخويف فقط ..
لكن إن أصروا على القتال .. قاتلناهم ..
فقبل الصحابة رأي (أبو بكر) .. وكذلك قبله (صلى الله عليه وسلم)..
فأكملوا الطريق..
لكن قريشا كانت مصرة على منع الرسول (صلى الله عليه وسلم)..
بل وضعت فرقة قوية من الفرسان يقودهم (خالد بن الوليد) مع 200 فارس.. في المقدمة..
ووراءهم جيش مكة...
فماذا يفعل الآن (صلى الله عليه وسلم) ؟!! | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 18 يونيو 2014, 10:18 | |
| تشريع صلاة الخوف
وقف الرسول (صلى الله عليه وسلم) أمام هذه الفرقة المسلحة.. وفي أثناء هذا الوقوف جاء موعد صلاة الظهر..
وسبحان الله...
فالمسلمون في أي ظرف من الظروف لا يضيعون الصلاة .. ولا يؤخرون الصلاة عن وقتها إلا في ظروف محدودة جدا .. تكاد في السيرة تعد على أصابع اليد الواحدة.. وكانوا أحيانا يصلون على خيولهم إيماء إذا احتدم القتال..
المهم .. وقف الرسول (صلى الله عليه وسلم).. ووقف المسلمون معه يصلون صلاة الظهر.. وكان يراقبهم من بعيد (خالد بن الوليد) قائد فرسان المشركين.. فرأى المسلمين في صلاتهم..الكل في ركوع وفي سجود.. فأحس أن هذه فرصة ممكنة للهجوم على المسلمين..
فسأل من حوله.. هل هناك صلاة تالية للمسلمين مثل هذه الصلاة؟
فقال من بجانبه من المشركين.. نعم.. هناك صلاة يسمونها صلاة العصر.
فوجد (خالد بن الوليد) أن هناك فرصة يمكن أن يهجم على المسلمين فيها أثناء صلاة العصر .. ولم يخبر بذلك أحدا من المشركين..
وحينما جاء وقت صلاة العصر .. ووقف (صلى الله عليه وسلم) ليصلي بالمؤمنين .. نزل عليه حكم صلاة الخوف ...وهي صلاة خاصة جدا.. لأنه لا يؤديها المسلمون إلا في ظروف ضيقة اضطرارية..
وحكم هذه الصلاة ..أن الإمام وهو الرسول (صلى الله عليه وسلم) يصلي ركعتين ويصلي خلفه نصف الجيش ...والنصف الثاني لا يصلي.. لأنه يقف للحراسة .. وبعد أن يصلي الإمام الركعة الثانية يقعد للتشهد .. وتسلم الطائفة التي صلت معه (صلى الله عليه وسلم) وصلاتها ركعتان.. ثم ينصرفون للحراسة .. ويأتي نصف الجيش الثاني الذي كان يحرس .. فيصلي معه (صلى الله عليه وسلم).. ركعتين..
وهذا يعني أنه (صلى الله عليه وسلم) في صلاة الخوف قد صلى 4 ركعات.. وعندما رأى (خالد بن الوليد) ما حدث من قصر الصلاة على نصف الصحابة.. ووقوف النصف الآخر في الحراسة.. قال كلمة عجيبة ..
قال... إن القوم ممنوعون.
ولعل هذا الموقف ...كان له أثر كبير في تفكير (خالد) في الإسلام.. لأنه أسلم بعد صلح الحديبية بشهور قليلة.. ولم يستطع (خالد) أن يحارب المسلمين.. وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) حقيقة لايريد الدخول في قتال..
| |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 18 يونيو 2014, 10:19 | |
| المسلمون يواصلون المسير نحو مكة
أخذ الرسول (صلى الله عليه وسلم) الصحابة وانحرف بهم عن جيش (خالد)..
وبدأ في التوجه إلى مكة المكرمة لأداء العمرة ..
وهو مصرّ على على استكمال الأمر إلى نهايته..
فأصبح (خالد) مترددا في الدخول في القتال ..
ورجع بسرعة إلى مكة المكرمة يخبرهم بهذا الأمر..
وأكمل (صلى الله عليه وسلم) الطريق إلى مكة المكرمة .. إلى أن وصل إلى مكان يعرف بالحديبية..
وبئر الحديبية التي سميت المنطقة باسمه قريبة جدا من مكة المكرمة..
لأنها بين التنعيم وبين مكة ..
والتنعيم يبعد عن مكة حوالي 5 كم..
أي أنه (صلى الله عليه وسلم) تقريبا دخل في حدود مكة نفسها..
وأصبح الموقف شديد الحرج...ففي أي لحظة من اللحظات القادمة ...قد يحدث قتال.
لكن ..
حدث هنا أمر مفاجيء .. لم يتوقع أحد ...
إذ بركت ناقة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. ورفضت أن تُكمل المسير ..!
فاجتمع الصحابة ليدفعوها .. لكنها أبت ..
فقال الصحابة.. خلأت القصواء...
(أي امتنعت ورفضت المسير)
فقال (صلى الله عليه وسلم) ..."ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخُلق..ولكن حبسها حابس الفيل.."
ثم قال (صلى الله عليه وسلم)... "والذي نفسي بيده لايسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها"
فهو (صلى الله عليه وسلم).. شعر أن هناك وحيا في القضية ..
ويعلم أن الناقة مأمورة ..
فلا بد أن الصلح قادم .. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 18 يونيو 2014, 10:19 | |
| قريش تبعث بديل بن ورقاء الخزاعي
بعد قليل من بقاء المسلمين في منطقة الحديبية.. وجدوا أن قريشا أرسلت لهم رسولا.. وكان (بُديل بن ورقاء الخُزاعي) .. وكان من خزاعة..! وهي قبيلة قريبة من النبي (صلى الله عليه وسلم) .. ومعروف حلفها لبني هاشم وبينهما علاقات طيبة.. وهذا يدل على أن قريشا لا تريد الحرب ...لأنها تعلم أنها في موقف ضعيف..
كما لم يرسلوا زعيما من زعمائهم يهدد ويتوعد.. لأن قريشا تريد أن تعامل الرسول (صلى الله عليه وسلم) بنوع من السلم والحسنى.. وتريد أن تتجنب القتال قدر المستطاع..
وهكذا نرى قريشا العزيزة المنيعة القوية القبيلة الكبيرة في العرب .. المعظمة عند جميع قبائل العرب بلا استثناء.. كيف تقبل هذه القبيلة الكبيرة بالجلوس مع الرسول (صلى الله عليه وسلم).. على طاولة مفاوضات ليس فيها نوع من الضغط المباشر على النبي الكريم...!
وهذا يبين لنا أهمية النشاط العسكري في السنة السادسة من الهجرة.. فقد أثر تأثيرا كبيرا على سلوك قريش وأضعف موقفها.. كما كان له التأثير المعنوي الواضح جدا على المسلمين. المسلمون الآن ..على بعد عدة كيلو مترات من مكة المكرمة بهذه العزة.. وقريش لا تستطيع أن ترسل زعيما من زعمائها لكي يتوسط عند المسلمين أن يعودوا.. فأرسلوا (بديل) ليمنعهم قدر المستطاع من دخول مكة..
فوقف (بديل بن ورقاء).. وحاول أن يهدد الرسول (صلى الله عليه وسلم) تهديدا خفيفا فقال..
"إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت"
فقال (صلى الله عليه وسلم)..
"إنّا لم نجيء لقتال أحد .. ولكن جئنا معتمرين.. وإنّ قريشا قد نهتكهم الحرب وأضرّت بهم.. فإن شاؤوا ماددتُهم مُدّة.. ويُخلوا بيني وبين الناس .. فإن أظهر .. (أي يعلو أمري) فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس .. فعلوا.. وإلا فقد جموا.. وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنّهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي.. ولينفذنّ أمر الله"
وقد وضع (صلى الله عليه وسلم) عروضه الثلاثة واضحة أمام الوسيط ..
فقال (بديل) .. سأبلغهم ما تقول..
وانطلق إلى مكة المكرمة .. وعندما ذكر لزعماء مكة الرسالة .. كان المتوقع منهم أن يثوروا ويغضبوا ... إذ كيف يقول هذا الرجل هذه الكلمات وهو على بعد خطوات قليلة من مكة المكرمة .. وهم في عقر دارهم ومعهم الجيوش..؟!! ولكن هذا لم يحدث .. فقد ألقى الله الرعب في قلوبهم ..
فقرروا إرسال رسول آخر ..
| |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 18 يونيو 2014, 10:20 | |
| قريش ترسل الحليس بن علقمة
أرسلت قريش رسولا آخر .. وهو (الحليس بن علقمة).. وهو من بني الحارس بن عبد مناة بن كِنانة من رءوس الأحابيش .. وهم قبائل محالفة لقريش..
ونحن نرى .. أن قريشا للمرة الثانية .. ترسل زعيما ليس قرشيا.. فهي لا ترسل أحد زعمائها حتى لا يتهور في قرار لا يستطيعون تحمله ..
وعندما رأى (صلى الله عليه وسلم) .. الرجل قادم ..
قال (صلى الله عليه وسلم).. "هذا من قوم يعظمّون البُدن"..
فهم قوم متدينون يحترمون قواعد البيت الحرام وأعراف البيت الحرام.. و"يعظمون البدن" ... أي يعظمون من جاء إلى الحج أو العمرة في مكة المكرمة..
فالرسول (صلى الله عليه وسلم) عاملَه بما هو أهله .. فأرسل إليه البدن في وجهه.. ليشعره أنه ما جاء إلى هنا إلا ليقوم بما يعظمه هو.. بما يعظمه (الحليس) وقومه.. واستقبله الصحابة وهم يلبون: لبيك اللهم لبيك..
فلما رآهم الحليس قال.. سبحان الله!! ما ينبغي لهؤلاء أن يُصدوا عن البيت... !
وهكذا .. استطاع (صلى الله عليه وسلم) أن يكسب قلب (الحليس بن علقمة).. حتى قبل أن يتم بينهما كلام.. فهذا من بُعد نظره (صلى الله عليه وسلم).. لأن (الحليس) كافر .. وأبو سفيان كافر وعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة وكل هؤلاء كفار.. لكن كل واحد من هؤلاء له طريقة تعامل .. فهناك كافر غادر.. وهناك كافر من نبلاء القوم.. وهناك كافر لا ينظر إلى الدين أيا كان.. وهناك كافر يعظِّم الدين وإن كان دينا باطلا..
وهكذا كل واحد له طريقة في التعامل .. والرسول (صلى الله عليه وسلم) يتعامل مع الرجل على قدر علمه وقدر ظروفه.. وهذه هي الحكمة في حقيقتها..
ولقد رجع (الحليس بن علقمة) للمشركين يقول لهم.. أدخلوه مكة يؤدي عمرته.. ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت...
لكن قريشا ضربت بكلامه عُرض الحائط.. وتأزم الموقف عندها ..
وقررت أن ترسل أحدا آخر .. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 18 يونيو 2014, 10:21 | |
| إرسال عروة بن مسعود
أرسلت قريش الرسول الثالث .. فانظر مدى الخزي والذل الذي تعيشه قريش ..
وكان ذلك الرسول الثالث .. (عروة بن مسعود الثقفي) ..من قبيلة ثقيف.. وكانت قريش تعتقد اعتقادًا جازما أن المسلمين سيحترمون رأيه.. ويسمعون كلامه.. لأنه كان معظما في كل الجزيرة العربية.. لدرجة أنه عندما نزل القرآن الكريم على رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. وبلغ به الناس .. وقف القرشيون وقالوا قولتهم الفاجرة ..
(وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا القُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ القَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)
فهم يسحبون العظمة من الرسول (صلى الله عليه وسلم).. وينسبونها إلى أولئك الذين كثرت أموالهم وعظمت قوتهم في الجزيرة العربية.. والقريتين هما مكة والطائف..
والرجل الذي يقصدونه من مكة هو (الوليد بن المغيرة).. والذي يقصدونه من الطائف هو (عروة بن مسعود الثقفي).. وهذا يدل على أن جميع أهل مكة.. وجميع أهل الجزيرة العربية .. يدركون أن هذا الرجل رجلا عظيما داخل الجزيرة العربية بكاملها.. لذلك أرسلوه للتفاوض مع النبي (صلى الله عليه وسلم)..
و (عروة بن مسعود) لكونه عزيزا.. ولكونه سيدا .. جاء بكلمات تهديدية لرسول الله (صلى الله عليه وسلم).. وفي نفس الوقت هو من ثقيف.. فإن هدد ولم يقبل الرسول (صلى الله عليه وسلم) بكلامه.. لن يكون ذلك مؤثرا على قريش.. فذهب إليه..
وقال (عروة) للنبي (صلى الله عليه وسلم) .. أرأيت لو استأصلت قومك ؟!
وانظر إلى (عروة).. كيف يقلب الحقائق .. كيف يصور الرسول (صلى الله عليه وسلم).. وكأنه هو الذي يريد أن يقتل أهله وليس العكس..
فالرسول (صلى الله عليه وسلم) أكثر من مرة أعلن أنه لم يجئ لقتال.. وإنما جاء للعمرة فقط.. يريد حقا أن تهدأ قريش.. لكن قريش هم الذين يخالفون ويعتدون..
ثم قال (عروة).. فوالله إني أرى وجوهًا وأرى أوباشًا من الناس خليقًا أن يفروا ويدعوك..
وهذا كلام في منتهى سوء الأدب .. فهو يقصد أن الصحابة الذين معك مجرد أن تبدأ الحرب سيفرون ويتركونك وحدك..
لكن ..
من نتوقع أن يكون رد على (عروة)..؟!
إنسان .. مسلم .. في منتهى الرفق والرحمة .. هو حبيبنا (أبو بكر)..
إذ وقف الصديق وتكلم بشدة وغلظة وعنف لم نعهده فيه قبل ذلك..
قال .. أنحن نفر عنه؟!
فقال له (عروة).. لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك...
يعني أنت كنت عملت في معروفا من قبل.. ولأجل هذا المعروف لن أجيبك على هذا السباب الذي وجهته إلي.. وحفظ للصديق معروفه القديم..
وبفضل هذا الموقف .. بدأ الرسول (صلى الله عليه وسلم) يتكلم من جديد..
لكن أثناء هذا الكلام .. بدأ (عروة) وهو يتحدث معه (صلى الله عليه وسلم).. يمد يده إلى لحية الرسول (صلى الله عليه وسلم)..!
وكان يقف بجوار النبي .. الصحابي (المغيرة بن شعبة بن مسعود الثقفي).. وهو ابن أخ (عروة) ..! فلما رأى (المغيرة) عمه عروة يمسك لحية النبي .. أمسك السيف.. وأهوى بنعل السيف على يد عمه ليمنعها من الوصول إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم).. فعاد (عروة) لقريش .. وقال لهم ..
أي قوم... والله لقد وفدت على الملوك على قيصر وكسرى والنجاشي.. ووالله ما رأيت ملكا يعظمه أصحابه كما يعظم أصحاب محمد محمدا..
وهذا الكلام كان له أبلغ الأثر عند القرشيين وعند (عروة) نفسه .. ثم بدأ يذكر أفعال الصحابة..
فقال .. وإذا أمرهم محمد ابتدروا أمره... وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه.. وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده... وما يُحدون إليه النظر تعظيما له..
ثم قال... وقد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها..
ثم أمر (عروة) قريشا أن يسمعوا الخطة ...وهو أنه لم يأت إلا لعمرة .. فدعوه .. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 18 يونيو 2014, 10:21 | |
| بعض المشركين لا يريدون الصلح
قامت مجموعة من شباب قريش المتحمسين المتهورين.. وأرادوا أن يقطعوا كل طريق للصلح.. فأخذوا أنفسهم وذهبوا يحاربون المسلمين ...ليقتلوا عددا منهم... فلا يكون هناك أمل في المعاهدة بين الطرفين .. وهكذا يُفرض القتال فرضا على المسلمين وعلى القرشيين..
فقامت هذه المجموعة وهم حوالي 50 .. وعلى رأسهم في بعض الروايات (عكرمة بن أبي جهل) وكان لا يزال مشركا.. قاموا بالتسلل للمعسكر المسلم ليلا..
وسبحان الله.. فالرسول (صلى الله عليه وسلم) أبقى مجموعة من الحرس لحماية المسلمين .. وعلى رأس الحرس (محمد بن مسلمة)... فاعتقل محمد بن مسلمة الـ 50 مشركا .. ومع أنهم صيد ثمين .. والمسلمون على أبواب مكة .. ويمكنهم التفاوض بشأنهم .. وقد يُحارَبون... ومن الممكن قتلهم .. ومع ذلك .. اطلقهم (صلى الله عليه وسلم) جميعا بلا فداء.. لإبداء حسن النوايا ولإبداء الرغبة في الصلح.. فهذه رغبة حقيقية .. وهو يقول لهم ... لم نأت لقتال إنما جئنا معتمرين.. ونريد الصل .. والهدنة ..
وفي هذا يقول الله جل وعلا ..
(وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِنْ بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا)
أي من بعد أن أسرتم الـ 50 أسيرا ..
ولأن قريش قد أرسلت لحد الآن .. 3 رسل .. والرسول (صلى الله عليه وسلم) في كل مرة يبلغ ذلك القادم .. أنه يريد الهدنة .. لكن طالما بقيت قريش تبعث أولئك الرسل .. فقد يكون هناك احتمال أن لايكون المبعوثين قد أدوا الأمانة في تبليغ مقالة رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
لذلك ... قرر النبي المصطفى .. صلى الله عليه وسلم .. أن يرسل رسولا من المسلمين ... يستطيع أن يصل بالمعاني التي يريدها النبي .. وبالمطالب التي يطالب بها المسلمون ...وبالعروض الإسلامية ...بوضوح إلى قريش.. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 18 يونيو 2014, 10:22 | |
| الرسول يرسل سفيرا إلى مكة
فكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في شخصية المُرسَل .. ففكر في (عمر بن الخطاب) .. فهو رجل قوي ومفاوض وله حكمة وله قوة ورأي سديد.. لدرجة أن كثيرا من المرات كان القرآن ينزل موافقا لرأيه .. كما أن (عمر) كان في الجاهلية سفيرا لقريش .. وهو سيسهل المهمة كثيرا ..
فالرسول (صلى الله عليه وسلم) يريد أن يرسل رسولا قديما من رسل قريش .. تعترف به قريش كسفير ..
لكن المفاجأة .. أن (عمر) قد اعتذر .. !
وقال (عمر) ... يا رسول الله... ليس لي أحد من عديٍّ (قبيلة عمر) يغضب لي إن أوذيت..
لأن قبيلة بني عدي ضعيفة من بطون قريش.. ولو قتل عمر بن الخطاب لن يتحرك له أحد..
ثم قال ... ولكن أرسل عثمان بن عفان...
لأنه من بني أمية وهي قبيلة قوية عزيزة وشريفة ولها تاريخ ولها جنود ولها رجال والجميع يعمل لها ألف حساب.. ثم هي قبيلة أبي سفيان زعيم مكة...
ثم قال .. وإنه (أي عثمان بن عفان) مبلِّغ ما أردت..
فكأن (عمر) يقول .. .الرجل المناسب في المكان المناسب.. فأبو بكر الصديق نفسه لو أرسل ..لا يؤدي المهمة كما يؤديها عثمان بن عفان.. و(عثمان) كان مشهورا بالحلم والحكمة .. وهو رجل محبوب داخل مكة في الجاهلية .. ومشهور بالكرم.. فكل أهل مكة قد استفادوا منه.. والناس كلها لن تؤذيه قدر المستطاع.. و(عثمان) زوج ابنة النبي (صلى الله عليه وسلم)... أي أنه (صلى الله عليه وسلم) لا يريد أن يضحي بزوج ابنته.. فهو يريد فعلا الصلح والهدنة...
فاقتنع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) برأي (عمر) .. وأرسل (عثمان) بالفعل .. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 18 يونيو 2014, 10:22 | |
| خروج عثمان بن عفان لعرض مطالب المسلمين
خرج (عثمان بن عفان) برسالة الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى قريش .. والرسالة محملة بثلاث أمور واضحة..
أولها ... أن يخبر قريشا أن المسلمين لم يأتوا إلا عمارا.. وأنهم ما أرادوا القتال في هذه الرحلة إلى مكة المكرمة.. وأنهم سيقبلون أي خطة تعظم فيها قريش حرمات الله ..
والأمر الثاني ...أن يدعو قريشا إلى الإسلام بأمر رسول الله ...!!!!!!!
والأمر الثالث أن يأتي بعض المستضعفين من المسلمين في مكة.. وهم الذين لم يستطيعوا لضعفهم أن يهاجروا إلى المدينة المنورة.. فيذهب (عثمان) إلى هؤلاء سرا ويتحدث إليهم .. وتبشيرهم أن الله سيعز المسلمين يوما حتى لا يستخفي أحد بالإسلام في مكة.. وهذه بشارة نبوية ومكانها في هذا التوقيت في غاية الأهمية..
وتدبر .. كيف أنه (صلى الله عليه وسلم) .. يهتم جدا بنفسيات هؤلاء .. مع أنهم ليسوا معه في دولته في هذه اللحظة... لكنه يهتم بكل رعايا الدولة الإسلامية.. كل بحسب ظروفه ومكانه..
وبالفعل ... ذهب (عثمان) إلى داخل مكة ليؤدي هذه المهمة العظيمة .. ومع أنه رسول... والرسل عادة في عرف هذه البلاد وغيرها لا تُقتل... إلا أنه لم يعتمد على هذا الأمر .. لكنه أخذ بكامل الأسباب لكي تتم له المهمة على الوجه الأكمل..
وأول شيء فعله بعد دخوله مكة ... هو أنه طلب إجارة (أبّان بن سعيد بن العاص الأموي).. و(أبان) رجل قوي وفيه لين و رحمة.. وعلاقته قوية بـ (عثمان بن عفان).. وسيدافع عنه بصلة الرحم وبصلة القرابة والمعرفة واللين التي يتميز بها .. وفوق كل هذا ...هو توفيق رب العالمين..
و(أبان بن سعيد) هذا .. قبل قدوم الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى الحديبية .. كان في رحلة تجارية إلى الشام .. وهناك في الشام التقى مع راهب من النصارى.. وهذا الراهب ذكر له أن هذا الوقت سيظهر فيه رسول في بلادهم.. لذلك .. فـ (أبان بن سعيد) ممهد نفسيا بأن هذا الذي يقف خارج مكة ...رسول من عند الله...! وأن (عثمان بن عفان) .. هو رسول رسول الله (صلى الله عليه وسلم)...! وهذا الإحساس ...جعله يدافع عن (عثمان) بكل طاقته..
ولقد استطاع (عثمان) أن يؤدي المهمة على الوجه الأكمل.. فدخل مكة في عزة.. وهو سفير للرسول (صلى الله عليه وسلم).. الذي يقف مع 1400 صحابي خارج مكة المكرمة .. يطلب الدخول لأداء العمرة... وعرض مطالبه وعرض عروضه بمنتهى القوة أمام قريش..
وقريش .. استقبلت (عثمان) استقبال السفراء.. وسمعت منه وعرضت عليه ما حاولت أن تمنع المسلمين منه منعا باتًا.. وكان من تلك العرض.. أنها منحت لـ (عثمان) الإذن .. بأن يقوم بالعمرة ويطوف حول البيت الحرام..
ولنتخيل .. مدى اشتياق (عثمان) بالطواف حول البيت الحرام.. فهو لم يطف في هذه السنوات الست السابقة... ومع هذا الاشتياق الذي كان عنده ... ومع الأجر العظيم في الطواف حول البيت الحرام.. إلا أن (عثمان) قال قولا صارما واضحا لقريش... عبّر فيه عن مدى ولاء المسلمين لقائدهم ...
فقال .. لا أطوف حتى يطوف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..
فهُزمت قريش هزيمة نفسية .. عندما رأت موقف (عثمان) الرائع المحب لقائده (صلى الله عليه وسلم)... وعرفت قريش أن الصف المسلم قوي صلب ولا يمكن أن يخترق...
فتغير الموقف تماما .. ! | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| |
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 18 يونيو 2014, 10:25 | |
| فوائد بيعة الرضوان
كان هناك عدة أمور ترتبت على عقد بيعة الرضوان هذه.. وهي ذات أثر .. ومعنى بالغ عند جميع المسلمين كما يلي..
أولا - خلاصة ما هو مطلوب من المؤمن في دنياه
يقول الله تعالى..
(قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي للهِ رَبِّ العَالَمِينَ)
فكل شيء في حياة المسلم هو لله رب العالمين.. وفي سبيله حتى لحظة الموت.. طاعة كاملة لله ولرسوله.. وهذا أمر من الصعوبة بمكان..
فهذه مجموعة من المسلمين جاءت من المدينة إلى مكة لأداء العمرة.. يتسلحون فقط بسلاح المسافر ولا مدد لهم... والمدينة المنورة على بعد 500 كم تقريبا .. وإذا قاتلوا المشركين فإنهم جميعًا سيُقتلون.. ومع ذلك فهم على بعد خطوات قليلة من مدد العدو .. الأحابيش والقبائل الحليفة..
وفي هذه البيعة ...لم يفكر واحد من المسلمين في أولاده أو زوجته.. لم يفكر أحدهم في تجارته أو في أعماله.. لم يفكر أحدهم في حياته.. لم يقل أحد منهم أن ظروفه لا تسمح.. بل لم يعقد أحد منهم هذه البيعة حرجا من رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. أو حرجا من المسلمين... إنما عقدوها جميعا وهم صادقون راغبون...
يقول فيهم سبحانه ..
(لَقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحًا قَرِيبًا)
فقد اطّلع الله سبحانه على قلوب كل من بايع.. فعَلِم أن هذه القلوب جميعها مخلصة مؤمنة.. وكان هذا من الفتح المبين الذي ذكره الله في بداية سورة الفتح ...
فالفتح المبين ..هو صلح الحديبية .. والذي هو في بداية سورة الفتح ..
(إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا)
فأن يصرح رب العالمين بالرضا عن هذه المجموعة الكبيرة من البشر... والتي يبلغ عددها 1400 مسلم .. وهم ما زالوا أحياء على وجه الأرض يُرزقون... لهو والله... من الفتح المبين..
وأن تصل مجموعة من البشر إلى هذا الرقي وهذا الإخلاص وهذا الفقه والفَهم.. وهذا العمل بهذه الصورة إلى الدرجة التي ترضي رب العالمين.. رضاءً تاما يعبر عنه في كتابه الكريم... ونقرؤه في كتابه إلى يوم القيامة.. فهذا من الفتح المبين...
لذلك .. قال لهم (صلى الله عليه وسلم) .. "أنتم اليوم خير أهل الأرض"
ثانيا - اهتزاز مكة من داخلها
فهذا الموقف الذي أعلن فيه المسلمون تضحياتهم العظيمة.. ورغبتهم الأكيدة في الموت ..هزَّ مكة من داخلها هزة عنيفة.. فمن ذا الذي يستطيع أن يقاتل قوما يطلبون الموت؟! بماذا يهددهم ويخوفهم؟! أبالموت؟! فهذا هو مطلبهم.. فقد بايعوا على أن يموتوا وعلى ألا يفروا حتى النهاية.. حتى ولو كانوا عُزلا أو لم يكن معهم إلا سلاح بسيط...
وهذا الموقف من قِبل المسلمين.. والذي هو من صفات الجيش المنصور.. هو ما عبر عنه (خالد بن الوليد).. بعد هذا الحدث بسنوات .. بكلمات قليلة .. عندما فتح فارس .. إذ قال (خالد) لـ هرمز .. ملك الأبلة ..
"جئتكم بقوم يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة"
فالجيش الذي يحب الموت من المستحيل أن يُهزم... وهذا درس من أعظم دروس الحديبية.. ومن أجله ..قررت قريش إبرام الصلح بكل ما فيه..
ثالثا - أخذوا قرار الموت فلم يصابوا بسوء
كان من الغريب حقا .. أن المسلمين عندما أخذوا قرار الموت.. فإنه لم يصب منهم أحد بسوء ..! بينما أصابهم الموت في أُحُد واستشهد منهم 70 رجلا.. حينما أخذ البعض منهم .. قرار الحياة..
أما العجيب .. أن يكونوا 700 في أحد ويُقتل منهم 70 .. واليوم هم 1400 في الحديبية .. ولا يُقتل منهم أحد ..
أما كان حبيبنا (أبو بكر) يقول .. احرص على الموت توهب لك الحياة..
رابعا - التصريح بالرضا عن الأحياء
هذا أمر مهم جدا ولافت للنظر.. فالله سبحانه قد صرح بأنه رضي عن أولئك الذين قاموا بالبيعة.. مع أنهم ما زالوا على قيد الحياة... ومن الممكن بعد ذلك أن يرتكبوا ذنوبا أو أخطاء..
ولأن الله يعلم الغيب.. ويعلم أن هؤلاء سيفعلون كذا وكذا.. وأنه من المؤكد أنهم سيقعون في أخطاء لكونهم بشرا.. وكل بني آدم خطَّاء.. وخير الخطائين التوابون...
لكننا هنا نفهم أمرا عالي الاهمية .. هو أنه من الممكن أن يكون هناك موقف واحد في حياة المسلم لصالح المسلمين أو لصالح الأمة.. يكون من الثقل بحيث إنه لا يُعدل به ذنبٌ بعد ذلك... وهذا بالتأكيد ليس دعوة لاقتراف الذنوب.. لكنها دعوة للأعمال الصالحة التي تثقل في ميزان المسلم..
وهنا.. ليسأل كل منا نفسه .. هل عندي موقف أعتقد أنه سيكون سببا لنجاتي يوم القيامة؟ فكلنا يصلي ويصوم.. لكن هل هناك عمل في حياتنا يخدم الأمة الإسلامية.. ونستطيع أن نحمله بين أيدينا يوم القيامة معتقدين تمام الاعتقاد يومها أنه سيُنجينا من النار؟
فما حدث في بيعة الرضوان ...هو عمل واحد لكل صحابي .. في ساعة أو ساعتين من الزمن.. لكنه ظل حدثًا يقتدي به المسلمون ويتعلمون منه.. بل ويحفظ في كتاب رب العالمين وإلى قيام الساعة..
فهل لدينا في حياتنا .. لحظات صدق مثل هذه ؟!! | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 18 يونيو 2014, 10:25 | |
| صلح الحديبية
قررت قريش الصلح مع المسلمين.. وبعثت رجلا لإتمام عقد الصلح مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
فتُرى من ذا يكون؟
من المؤكد أن قريشا لا يمكن لها أن ترسل وسيطا... سواء أكان من خزاعة أو من ثقيف أو من أي قبيلة أخرى.. إذ إن رسول الصلح سيعبر عن قريش.. وسيفاوض في بنود ستتأثر بها قريش تأثرا مباشرا..فلا بد إذن أن يكون رسول الصلح منها نفسها..
وإذا كان الأمر كذلك فمَن تبعث قريش؟
هل تُرسل عكرمة بن أبي جهل... أم خالد بن الوليد... أم أبا سفيان... أم صفوان بن أمية؟
وفي الحقيقة أن قريشا لم تبعث أيا من هؤلاء.. وذلك لأنهم كانوا يعدون من الصقور.. فكلهم يريد محاربة المسلمين.. وقريش (القاعدة العامة) لا تريد ذلك.. إنما تريد أن تهدأ الأمور ..
ومن هنا فقد أرسلت قريش رجلاً من الحمائم هو (سهيل بن عمرو).. ذلك الذي كانت له حياة هادئة في مكة.. ولم يكن في سيرته مصادمات مباشرة مع المسلمين.. الأمر الذي يمكنه من التفاوض بهدوء... وهذا عين ما تريده قريش..
وبالفعل كان (سهيل) كذلك.. حتى إن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) حين رآه قادما ...استبشر وبشر المؤمنين..
وقال... "قد سهل لكم من أمركم.. أراد القوم الصلح حين بعثوا هذا الرجل"
والفأل حسن في الإسلام... لكن في الوقت نفسه كان لقريش أغراض أخرى من تخصيص (سهيل بن عمرو) بالذات.. فهو رجل موتور ومصاب من المسلمين في بيته.. إذ أسلم 4 من أولاده و 3 من إخوته.. فكأن الأمر بالنسبة إليه دفاع عن قضية شخصية..
فمن أولاده الذين أسلموا: أم كلثوم وسهلة وعبد الله.. وقد أسلموا منذ زمن.. ويعيشون الآن في المدينة المنورة.. أما الرابع فكان (أبو جندل) وهو مقيد في بيته من قِبل والده سهيل...حتى لا يخرج ويلحق بالمسلمين.. أما إخوته الذين أسلموا فهم: السكران بن عمرو.. وأبو حاطب بن عمرو.. وسَلِيط بن عمرو..
أي أن عائلته كلها قد أسلمت ولم يعُدْ يبقى غيره.. فهو مصاب في كرامته.. وفي عزته بين قريش.. مما يجعله يفاوض بكل حمية... ويستأثر من المسلمين بكل مصلحة ممكنة من أجل قريش... | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 18 يونيو 2014, 10:26 | |
| وقفة مع اتفاقية الصلح
قبل الدخول في بنود الصلح بين المسلمين وقريش .. نود أن نقول... إذا قام فريقان بالصلح فإن هذا يعني أن القوتين متكافئتان.. وأنه إذا حرص القوي (في الظاهر) على الصلح مع الضعيف.. فهو يرى أن الضعيف هذا أقوى منه.. الأمر الذي يسهل عليه فيه أن يقدم له (القوي) كثيرا من التنازلات.. فعلى الضعفاء أن يثبتوا على موقفهم.. وأن يعلموا أن الحق معهم ولهم.. ويتيقنوا بعد ذلك أن الله لن يخذلهم.. وأن هذا مما يزلزل كيان الكافرين..
وفي تجسيد لهذا الدور ... فقد جلس القرشيون مع ما لهم من تاريخ وقوة وجنود وأحلاف.. مع الجماعة الضعيفة المستضعفة.. تلك التي كانت تعيش عندهم.. ثم هاجرت من ديارهم إلى المدينة المنورة.. وقد جاءت تريد العُمْرة وهي بسلاح المسافر. جلس الفريقان ليبرموا صلحا من أجل مصلحتهما معا.. ويلتقوا (كما يقولون) في منتصف الطريق.
وفي مثل هذه الاتفاقيات ...هناك إيجابية من الأهمية بمكان.. وهي أن كل طرف من طرفي المعاهدة قد أصبح معترفا بالطرف الآخر.. فإذا كان هناك جماعة لا دولة.. وقليل لا كثير.. ثُم تَمَّ معها معاهدة صلح.. فهذه إيجابية كبيرة..
وذلك لأنها بداية الاعتراف بأنها أصبحت قوة مكافئة... وما نحن بصدده الآن هو أن قريشا ليست في حاجة لاعتراف الرسول (صلى الله عليه وسلم) بها ذلك أن تاريخها يرجع إلى أكثر من 600 عام.. وهي قبيلة معترف بها وسط مكة المكرمة.. ووسط الجزيرة العربية.. بل ووسط العالم آنذاك... أما جماعة المسلمين فلم يكن يعترف بهم أحد.. إذ إنها ما زالت جماعة ناشئة ضعيفة مستضعفة.. وإذا اعتُرف بها من قِبل قريش ...فإن هذا يُعد من أعظم إيجابيات صلح الحديبية..
وهذا هو ما حدث مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) أيام صلح الحديبية.. فبمجرد أن جلست قريش على طاولة المفاوضات معه (صلى الله عليه وسلم).. كان هذا اعترافا منها أمام الجميع بدولة المسلمين وجماعتهم في الجزيرة العربية.. وعلى رأسهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
لكن ..
مع وجود تلك الإيجابية التي ذكرناها .. إلا أن هناك سلبية لا بد منها أثناء العقد..
وهي أنه إذا جلس طرفان للتفاوض والصلح ... فلا بد أن يتنازل كل طرف عن شيء أو أشياء من حقوقه... ! ومثل هذا بحاجة إلى وقفة متأنية.. حتى إذا حدث مثل هذا بين المسلمين وبين غيرهم ... نكون على وعي تام بطبيعة هذا التفاوض وهذا الصلح.. ونعي تماما ما الذي يمكن أن يتنازل عنه المسلمون ثم نتغاضى نحن عنه.. وما الذي يمكن أن يتنازلوا عنه ولا يمكننا السكوت عليه....؟!
ومن هنا .. فلا شك أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) في هذا الصلح سيقبل لا محالة بأمور .. من أجلها سيشعر المسلمون بغُصة وألم في حلقهم.. لكن هذا لا بد منه .. وإلا فلماذا التفاوض؟ وعلامَ الصلح؟! | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 18 يونيو 2014, 10:26 | |
| بنود صلح الحديبية
كانت معاهدة صلح الحديبية عبارة عن 4 بنود.. وإذا راجعناها وجدنا أن كل بند فيها يصب في صالح المسلمين.. رغم ما كان قد ظهر لقريش من عكس ذلك..
البند الأول رجوع الرسول (صلى الله عليه وسلم) وأصحابه من عامهم هذا وعدم دخول مكة وإذا كان العام القادم سيخرج منها أهلها ودخلها المسلمون بسلاح الراكب يقيمون بها ثلاثا ولا تتعرض لهم قريش
لا شك أن رجوع الرسول (صلى الله عليه وسلم) هذا العام هو في صالح قريش.. لأنه سيحفظ لها نسبيا ماء وجهها.. لكن قدوم الرسول (صلى الله عليه وسلم) العام المقبل ودخول مكة دون مقاومة.. بل وخروج أهلها منها وعدم التعرض مطلقا للمسلمين.. فهذا انتصار هائل للرسول (صلى الله عليه وسلم) ولمن معه..
خاصة .. بعد مرور 13 سنة من التعذيب .. ومحاولة الإبادة للمسلمين في مكة.. والهجرة وفرار المسلمين بدينهم وقد تركوا كل شيء.. ثم غزوتي بدر وأحد .. قبل 6 سنوات .. ثم تجميع قريش والأحزاب وحصار المدينة منذ أقل من سنة واحدة... لكن هنا .. في هذا الصلح .. انهارت كل هذه المقاومة القرشية.. وقَبِل المشركون بفتح باب دولتهم للمسلمين دون مقاومة.. فأي نصرٍ للمسلمين هذا! وأي رفع لرأس المسلمين في الجزيرة العربية بكاملها! وأي إراقة لماء وجه قريش وسط الجزيرة العربية!! فأين صقور قريش؟ وأين السلاح والعتاد؟ وأين العلاقات والأحلاف؟ وأين الأموال والاقتصاد الهائل لقريش؟ أين كل ذلك؟
لا شك أنه انهار أمام دولة المسلمين الناشئة الفتية... ومن هنا فهذا البند لا شك هو في صالح المسلمين.. وليس فيه اعتراف من قريش بدولة المسلمين فقط.. ولكن فيه اعتراف بأن دولة المسلمين دولة قوية مهيبة الجانب.. تُفتح لها أبواب مكة ويخرج أهلها منها... وهذا ما لم يحدث مع أي قبيلة أخرى في تاريخ مكة بكاملها.
البند الثاني وضع الحرب بين الطرفين عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن بعض
يا تُرى هذا البند يصب في مصلحة من؟ من الذي يحتاج إلى وضع الحرب ويرغب في الأمان؟ أليس هم المسلمون؟ أليس طلب الأمان كان بغية المسلمين..وكان طلبا نبويا قبل المعاهدة وقبل الصلح؟ أوَليس الرسول (صلى الله عليه وسلم) هو الذي قال لـ(بديل بن ورقاء الخزاعي) بأنهم إن جاءوا ماددتهم؟ فطلب الأمن إذن كان مطلبا إسلاميا..إذ من الذي يحتاج أن يقيم دولته ويؤسسها؟ ودولة قريش مقامة منذ مئات السنين.. أما دولة المسلمين الناشئة فعمرها 6 فقط.. وتحتاج إلى كثير وكثير من الإعداد والتأسيس.
وماذا عن الدعوة إلى الإسلام ؟! هل ستكون اسهل في الجزيرة العربية في جو الحروب والدماء والعداوات المتكررة؟ أم أنها ستكون أسهل في حالة الأمان؟ ... بالطبع هو الخيار الثاني ..
فالمسلمون يريدون أن يتحركوا في كل مكان بسهولة آمنين من الحرب.. وفي الوقت نفسه تأمن القبائل المختلفة أيضا حالة الحرب.. وهذا يجعل حركة المسلمين لدعوة القبائل البعيدة عن المدينة المنورة.. بل دعوة القبائل القريبة من مكة أسهل كثيرا عمّا إذا كانت الحرب معلنة بين المسلمين وقريش.. ومن ثمّ تزداد قوة المسلمين...
لكن .. علينا مراعاة شيئا مهما .. وهو .. هل حين جلس المسلمون للصلح مع المشركين ..أخذوا كل حقوقهم المسلوبة قبل ذلك؟!..
والحقيقة أن الجواب هو ... لا ..
فالمسلمين وافقوا على الهدنة ...قبل أن ترد إليهم كامل حقوقهم.. فما زالت هناك ديار منهوبة.. وما زالت هناك أموال مسلوبة.. وما زالت هناك أرض محتلة من القرشيين.. ومع ذلك .. وافق المسلمون على الصلح ..
وهذا أمر مهم .. علينا أن نضعه في الحسبان .. في المعاهدات المقبلة مع الغرب.. لأنك ما أن تقر للعدو بأن لك حق مسلوب .. فلن يكون هناك احتمال للصلح والمعاهدة... !
البند الثالث من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل في عقد قريش وعهدهم دخل فيه والقبيلة التي تنضم لأي الفريقين هي جزء من هذا الفريق أي عدوان تتعرض له أي من القبائل يُعد عدوانًا على ذلك الفريق وهو مخالفة واضحة للاتفاقية
ففي أي كفة يصب هذا البند؟ ..
وهذه قريش أعظم قبائل العرب.. والذي يريد أن يدخل في عهدها لا ينتظر معاهدة بهذه الصورة.. أما القبائل التي تريد أن تدخل في عهد محمد (صلى الله عليه وسلم) وحلفه .. فإنها كانت تتردد ألف مرة خوفا من بطش قريش وحلفائها.. أما بعد صلح الحديبية وبعد وضع الحرب.. فإن هذا الذي كان في قلبه تردد وخوف ...سرعان ما سينضم إلى فريق المسلمين في أمن وطمأنينة..
فهذا البند لم تستفد به قريش مطلقا.. بينما استفاد المسلمون استفادة قصوى من انضمام تلك القبائل الجديدة إليهم .. بعد أن أمنت خوف قريش وبطشها.. فهو إذن في صالح المسلمين بالإطلاق..
وأكبر دليل ... أن قبيلة خزاعة لم تدخل في حلف المسلمين إلا بعد صلح الحديبية هذا.. مع أنها كانت من أكثر القبائل قربا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. حتى إن أهل السيرة يقولون... إن خزاعة كانت عيبة نُصح الرسول (صلى الله عليه وسلم).. وهو ما رأيناه قبل ذلك كثيرا.. حيث كان (صلى الله عليه وسلم) يرسل عيونا من خزاعة.. ويتحالف معهم ..
مع ذلك .. فخزاعة لم تدخل في عهده (صلى الله عليه وسلم) إلا بعد صلح الحديبية .. فكيف بباقي القبائل إذن؟!
البند الرابع من جاء قريشا ممن مع محمد (صلى الله عليه وسلم) لم يرد إليه ومن أتى محمدا (صلى الله عليه وسلم) من غير إذن وليه يرده إليهم
أي أن من يأتي إلى المسلمين من أهل قريش بعد صلح الحديبية .. فعلى المسلمين أن يرجعوه ثانية إلى أقاربه إذا كان أهله يرفضون إسلامه.. وعلى الناحية الأخرى .. فإنه إذا ارتد أحد المسلمين وذهب إلى مكة.. فعلى مكة ألا تعيده إلى المسلمين.. وهذا في ظاهره في صالح القرشيين...
ولو حللنا الجزء الأول من البند.. فإن الذي يهرب من الصف المسلم إلى الصف الكافر .. كالمرتد مثلا .. فهل يحتاجه المسلمون ؟! وهل يتمسكون به ويجبرونه على البقاء في المدينة المنورة وهو كاره للإسلام وللمسلمين؟! وهل هذا فيه مصلحة للمسلمين؟
لا .. أبدا ..
فالمسلمين ليسوا في حاجه لمثل هؤلاء.. بل إن هذا البند مفيد جدا .. لان الذي سيرتد من المسلمين .. كان سيبطن كفره خوفا منهم .. وهذا خطره على المسلمين أكبر من خطر العدو .. أما الآن فسيتخلص المسلمون من مرضه ..وسيخرج عنهم ..
(لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلَأَوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ)
فلماذا يُبقي المسلمون منافقا داخل المدينة المنورة يدل على عوراتهم.. وينقل أخبارهم إلى المشركين ويدلي بآراء فاسدة في قضايا تهمُّ المسلمين؟ .. وكأنه معهم بجسده .. وقلبه وروحه مع اهل الكفر ...! فالتخلص من أمثال هؤلاء .. مهم جدا في بينان الدولة الإسلامية ..
بقي الجزء الثاني من البند .. فكل من يأتي من أهل مكة إلى المسلمين يريد الإسلام .. فعلى المسلمين ارجاعه إلى أهل الكفر..!
ومثل هؤلاء .. كان المسلمون إذا ردوهم إلى مكة .. فإن قريش ستعذبهم وتفتنهم في دينهم حتى يكفر بالله .. إضافةً إلى أن المسلمين سيخسرون قوته.. التي كان من الممكن أن تضاف إليهم ..
ومن هنا نستطيع أن نقول.. إن هذه هي الفائدة الوحيدة التي استفادت منها قريش في هذه المعاهدة .. وهي نصف بند في أربعة بنود.. أي ما يعادل ثُمْن المعاهدة.. لكن مع ذلك .. فهناك سر في هذه الجزئية هو صالح المسلمين..
فالمسلم الذي سيكتم إيمانه في مكة .. خوفا من بطش قريش.. قد يدعو إلى الإسلام فيها.. وقد يؤثر على عقليات المشركين في داخل مكة.. وقد يجتمع مع غيره فيصيبون المشركين بأذى داخل مكة أو خارجها.. وقد يدل على عورات المشركين.. وقد يُحدِث خللا في داخل صفوفهم.. طالما كانوا لايعلمون بإسلامه .. ! | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 18 يونيو 2014, 10:27 | |
| توثيق عقد الصلح وكتابته
بعد أن تم الاتفاق على بنود هذا الصلح شفهيا .. كان لا بد أن يوثّق ويسجل في صحيفة تكون بين الدولتين.. ويوقع عليه الطرفان... ويعترف به في الجزيرة العربية بكاملها...
ولذلك .. جلس رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مع (سهيل بن عمرو) لكتابة صحيفة الصلح.. وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) أُميا لا يكتب ولا يقرأ.. فكان الذي يكتب هو (علي بن أبي طالب).. والذي يملي عليه كلمات المعاهدة هو الرسول (صلى الله عليه وسلم).. وفي هذا أيضا إشارة قوية إلى أن اليد العليا في المعاهدة كانت للمسلمين....!
فقال (صلى الله عليه وسلم) لـ (علي) .. أن يكتب "بسم الله الرحمن الرحيم"
فوقف (سهيل) معترضا .. علما أن كل اعتراضاته كانت شكلية فقط ..
وقال ..أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو.. ولكن اكتب: باسمك اللهم..
وهنا تتبدى مرونته (صلى الله عليه وسلم).. فقال لـ (علي) .. "أكتب باسمك اللهم"
فمحا (عليا) ما كتبه في البسملة .. وكتب "باسمك اللهم" ..
ثم أكمل له (صلى الله عليه وسلم).. فقال .. "هذا ما صالح عليه محمد رسول الله"
وما أن قيلت حتى اعترض (سهيل) مرة أخرى ..
وقال .. والله لو نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك.. ولكن اكتب محمد بن عبد الله
فهم لم يعترفوا بعد بنبوة المصطفى (صلى الله عليه وسلم) .. فكيف إذن يكتب ذلك في الصحيفة ويوقِّع عليها (سهيل) نيابة عن قريش؟ ..
وهنا قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) مبديا المرونة.. "إني رسول الله وإن كذبتموني"..
ثم أمر (عليا) أن يمحو جملة (رسول الله) ويكتب.. "هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله"
وهنا اعترض (علي) ... فطلب منه (صلى الله عليه وسلم) أن يريه موضع الكلمة .. فأشار له .. فمحاها (صلى الله عليه وسلم) بنفسه ..
فكان (سهيل بن عمرو) يأخذ الرسول (صلى الله عليه وسلم) في تفريعات وقضايا جانبية.. بعيدة عن الصلح وعن أصل الموضوع الذي من أجله كانت هذه المعاهدة..
لكن كانت رؤية الرسول (صلى الله عليه وسلم) وموقفه... واضحا تمام الوضوح.. فهو (صلى الله عليه وسلم) يعلم أن بنود هذه المعاهدة في صالح المسلمين.. ويعلم أن هذا نصر لم يكن يحلم به المسلمون قبل ذلك.. وهو يريد لهذه المعاهدة أن تتم... ولقد كان طموح المسلمين أن يدخلوا مكة للعمرة ..ثم يعودوا ثانية إلى المدينة المنورة.. والآن حصلت لهم كل هذه المكاسب.. فعلامَ يقف (صلى الله عليه وسلم) أمام كلمة كذا أو كذا.. وهي لا تُقدم شيئا أو تؤخر في الصلح..؟!
فهو حقا محمد بن عبد الله (صلى الله عليه وسلم).. فما وجه الاعتراض إذن؟
وهذه هي المرونة في مثل هذه الأحوال..ألاّ نتمسك بأشياء لا تقدم ولا تؤخر.. وليس فيها مخالفة شرعية.. وكان هذا واضحا من إقرار الرسول (صلى الله عليه وسلم) محو هذه الكلمات.. فهو (صلى الله عليه وسلم) لا يُقر باطلا أبدا.. ونحن في حاجة إلى تفهّم مثل هذه الأحداث.. ونعي جيدا متى نتشدد ونتمسك... ومتى نتساهل ونتنازل... متى نقول: من المستحيل أن نتنازل عن هذا الأمر؟ ومتى نقول: من الممكن أن نمحو هذا الأمر؟ | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 18 يونيو 2014, 10:27 | |
| موقف الصحابة من صلح الحديبية
متابعة لسير الأحداث .. وبعد كتابة الصلح بين الرسول (صلى الله عليه وسلم).. وبين (سهيل بن عمرو).. كان هناك موقف لا يمكن تجاهله للصحابة رضوان الله عليهم.. فقد رفض معظمهم هذا الصلح .. لأنهم لم يروا إلا سلبياته فقط .. وليس كما هي نظرة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الشمولية ..
فلم يكن الهدف عنده (صلى الله عليه وسلم) .. استئصال قريش.. ولم يكن هدفه عُمرة عابرة في حياة المسلمين.. ولم يكن هدفه إذلال قريش بالدخول إلى مكة رغم أنفها... وكذلك ليس الهدف إيمان مكة فقط.. إنما كان الهدف ...أعمق من ذلك بكثير..
كان الهدف .. هو نشر دين الله سبحانه في الأرض قاطبة.. حتى ولو تأخر إسلام مكة عدة سنوات..
ومع أن مكة أحب بلاد الله إلى قلب رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. إلا أنه كان ينظر نظرة شمولية للأرض... كما ينظر في نفس الوقت .. بنظرة واقعة للأحداث.. وهو الأمر الذي لم يكن في ذهن الصحابة ..
فقد كان جلّ همهم أن يدخلوا مكة هذا العام .. وأن لايعيدوا المسلمين الجدد إلى مكة ..
فماذا سيفعل الآن (صلى الله عليه وسلم) ؟!
هل سيدعو الصحابة لمبدأ الشورى .. كما هي عادته (صلى الله عليه وسلم) معهم ؟!
في الحقيقة .. الجواب هذه المرة هو .. لا ..
لكن .. ما السبب ؟!
السبب أن الأمر متعلق بالوحي .. وحينما يكون هناك وحي .. فلا شورى .. !
فالرؤيا التي رآها رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في بداية الرحلة في المدينة المنورة .. كانت وحي ..
والناقة التي حُبست من دخول مكة المكرمة .. كانت مأمورة ..
لذلك .. قال (صلى الله عليه وسلم) للصحابة حينها .. أنه سيقبل بأي خطة تعظم حرمات الله ...وفيها منع للقتال..
ثم بعد ذلك... سيذكر (صلى الله عليه وسلم) للصحابة كلمة... توضح أن كل المعاهدة كانت بوحي من رب العالمين..
فقد قال .. "إني رسول الله ولستُ أعصيه.. وهو ناصري .. ولن يضيعني"
وهنا يكون قد وضح تماما .. أنه وحي .. وأن الأمر مباشر .. فلا حاجة للشورى.. | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 18 يونيو 2014, 10:28 | |
| أبو جندل وصلح الحديبية
بعد أن تم كتابة صلح الحديبية .. حدث أمر زاد من همِوم الصحابة .. فقد هرب أحد الذين يتخفون بإسلامهم في مكة .. إلى جانب المسلمين .. وهو يجرجر أغلاله التي حبسوه بها .. حيث كان أبوه يقيده داخل البيت كي لايهاجر للمدينة المنورة.. وهذا الرجل .. اسمه (أبو جندل)..
لكن ... أ تعلمون من هو أبوه ؟!
إنه ... (سهيل بن عمرو) ...!! سفير قريش في معاهدتها مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. في صلح الحديبية ..
ولكم أن تتخيلوا الموقف .. فقد جاء (أبو جندل) .. وأبوه (سهيل) مازال موجودا مع المسلمين .. !
وأصبحت الأزمة كبيرة..!
فانتفض (سهيل) وقال للرسول (صلى الله عليه وسلم)... هذا أول ما أقاضيك عليه..
وكان (صلى الله عليه وسلم) قدر المستطاع .. يحاول أن يأخذ (أبا جندل) من أبيه باللين..
فقال (صلى الله عليه وسلم) للأب .. "إنّا لم نقض الكتاب بعد"..
فقال سهيل...فوالله إذن لا أصالحك على شيء أبدا..
وتطور الموقف وأصبح عالي الحساسية .. ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) يشعر بقيمة هذه المعاهدة .. ويريدها أن تتم قدر المستطاع ..
فحاول (صلى الله عليه وسلم) مرة أخرى مع الأب .. وقال له .. "فأجزه لي"..
أي أن المعاهدة قد تمت واجعله خارج المعاهدة... فأجزه لي كرما من عندك..
فقال سهيل...ما أنا بمجيزه لك..!
فحاول (صلى الله عليه وسلم) مرة أخرى .. "بلى .. فافعل"
فقال (سهيل) ... ما أنا بفاعل..
ورفض (سهيل) شديد .. لأنه موقفه حساس .. فعنده 3 أولاد أسلموا من قبل وانضموا لجيش المسلمين .. ففقد (سهيل) زمام نفسه .. وبدأ بضرب ولده (أبا جندل) أمام المسلمين .. ! والمسلمون يتأثرون ويبكون على حال ذلك المغلوب على أمره ..
الذي زاد الطين بلة .. أن (أبا جندل) لم يكتف بهذا المشهد المؤثر .. بل أصبح ينادي على المسلمين ..
وهو يصرخ .. يا معشر المسلمين... أَ أُردُ إلى المشركين يفتنوني في ديني؟!..
كان الموقف يتسارع في خطواته حتى تأزمت القلوب والحناجر ..
فماذا يفعل (صلى الله عليه وسلم) ؟!
هل تأتي الحاجة هنا لتحكّم العقل .. أم لتحكّم العاطفة ؟!
فقد كان لابد من ارضاء كل الأطراف ..
فقال (صلى الله عليه وسلم) لـ (أبو جندل) .. كلمات مؤثرة جميلة وواضحة كالشمس ..
"يا أبا جندل .. اصبر واحتسب .. فإن الله عز وجل جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا .. إنّا قد عقدنا بيننا وبين القوم صُلحا .. فأعطيناهم على ذلك وأعطونا عليه عهدا .. وإنّا لن نغدر بهم"
وفي كلام الرسول أكثر من إشارة... فهو (صلى الله عليه وسلم) قد حكّم عقله ..إذ لايستطيع أن ينقض المصالحة .. وأن من صفات المسلمين الوفاء بالعهد .. وفي الوقت نفسه .. أعطى طريقا للنجاة لـ (أبي جندل).. فأوصاه بالصبر وبالاحتساب .. ثم بشره أن الله سيخرجه من هذه الأزمة.. وأن هناك من هم مثله في مكة .. مسلمين مستضعفين خائفين .. فهو ليس وحده في ذلك المصاب.. ولأن هذا هو الوعد هو من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. فلابد أنه سيتحقق رغما عن الجميع...
وكان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يُعلّم الصحابة رضوان الله عليهم .. عن ما حدث .. لأنه (صلى الله عليه وسلم) رد كثير ممن جاءوهم بعد ذلك من مكة مسلمين ..
فكان يقول .. "إنه من ذهب منّا إليهم فأبعده الله"
أي من يترك الإسلام ويرتد ويعود إلى المشركين...فهذا لا نريده ولا حاجة لنا به..
ويقول (صلى الله عليه وسلم)... "ومن جاءنا منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا"
يعني الذي جاءنا منهم ورددناه بعد ذلك إلى مكة.. لا شك أن الله سوف يخرجه من هذه الأزمة.. إذ ليس من الممكن أن يسعى هو إلى الله... ثم يوقعه الله في أزمة أو ضائقة .. ! | |
|
| |
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
| موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 18 يونيو 2014, 10:28 | |
| بداية الآثار الحميدة للصلح
عاد (أبو جندل) إلى المشركين وأنفذ العهد كما تمنى (صلى الله عليه وسلم)..
وبعد المعاهدة ..دخلت قبيلة بني بكر في حلف قريش.. ودخلت قبيلة خزاعة في حلف رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. وكما ذكرنا قبل ذلك ...أن هذا يعبر عن أهمية الصلح وقيمته.. لأن قبيلة خزاعة مع تاريخها الطويل مع بني هاشم .. إلا أنها لم تدخل في حلف الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلا بعد أن صلح الحديبية..
ورجع الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى معسكره في الحديبية .. ليُعد العدة ليعود إلى المدينة المنورة مرة ثانية.. ثم يرجع بعد عام إلى مكة ... لأداء العمرة..
لكن ..
نسينا أمرا مهما .. أن الرسول (صلى الله عليه وسلم).. كان طيلة هذه المشاورات والمحاورات .. محرما.. لأنه (صلى الله عليه وسلم) أحرم من ذات الحليفة .. وجاء ملبيا حتى وصل إلى الحديبية.. ثم منعته قريش .. فانطبق عليه حكم المحصر عن العمرة .. أي من نوى العمرة ولم يستطع الوصول إلى مكة لسبب من الأسباب .. فكان عليه (صلى الله عليه وسلم) أن يقوم بالنحر والحلق في المكان الذي توقف فيه .. ليتحلل من إحرامه..
لذلك ..
وقف الرسول (صلى الله عليه وسلم).. وخطب في الصحابة جميعا..
"قوموا فانحروا .. قوموا فانحروا"
فما قام منهم أحد.....!
فكرر النداء (صلى الله عليه وسلم)... "قوموا فانحروا"
فلم يقم أحد ... !
فكرر النداء (صلى الله عليه وسلم) ... "قوموا فانحروا"
فلم يقم أحد...!
لكن العجيب .. أن الرسول (صلى الله عليه وسلم)... لم يغضب.. !
تصوروا .. قائد الدولة الإسلامية .. وحبيب رب العالمين .. وخاتم الأنبياء .. وسيد ولد آدم أجمعين ... لم يغضب ..
لماذا لم يغضب ؟!
لأنه صاحب القلب الكبير .. وصاحب القلب الطيب .. ولأنه رحيم بالمؤمنين حريص عليهم .. ولأنه يقدر الحالة النفسية السيئة التي عليها الصحابة .. ولأنه يعرف شوقهم لزيارة بيت الله الحرام.. ولأن موقف (أبو جندلة) زاد من همومهم هما آخر ..
فكيف يغضب منهم .. ؟!
وكيف يغضب وهو يشعر بما يشعرون ؟!
لكن ياترى .. هل يعلمون ما يعلم ؟!!
ولقد تعامل (صلى الله عليه وسلم) مع الموضوع .. بغاية الحكمة .. فلقد دخل إلى خيمته .. وهو حزين .. يفكر في حل لهذه القضية .. ولايريد أن يعنّف الصحابة... وفيهم ما فيهم .. خاصة أنهم عاهدوه في بيعة الرضوان .. على عدم الفرار .. وعلى الموت في سبيل الله..
وكانت مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من أمهات المؤمنين .. زوجته السيدة (أم سلمة).. فرأت ما عليه النبي (صلى الله عليه وسلم) من الحزن.. وسألته.. فذكر (صلى الله عليه وسلم) لها ما لقي من الناس..
فقالت (أم سلمة) .. يا رسول الله.. أتحب ذلك؟!
يعني.. أتحب أن ينحروا ويحلقوا؟ ثم قدمت أم المؤمنين النصيحة الجميلة... رضي الله عنها وأرضاها..
فتشاور المصطفى (صلى الله عليه وسلم) مع زوجته ...في قضية من أخطر قضايا المسلمين.. لم يذهب للتشاور مع (أبي بكر) أو مع (عمر) أو مع غيرهم.. لكنه ذهب إلى زوجته.. وتحدث معها في قضية قد تهز كيان الدولة الإسلامية بكاملها.. واستمع إلى رأيها.. وكان رأيها حكيما..
فقالت له .. اخرج ثم لاتكلم أحدا .. حتى تنحر بُدنك .. وتدعو حالقك فيحلقك..!
فقام (صلى الله عليه وسلم) فخرج.. فلم يكلم أحدا منهم .. و نحر البدن ودعا الحالق فحلق له..
فلما رأى الصحابة ذلك.. قاموا جميعا لم يتخلف منهم أحد.. ! وبدءوا في النحر.. وجعل بعضهم يحلق بعضا.. حتى كاد بعضُهم يقتل بعضا غما.. يعني بعضهم كاد يصيب الآخر من شدة الحزن والغم التي كان يشعر بها.. لكن في النهاية استجاب الجميع فنحروا وحلقوا..
والرسول (صلى الله عليه وسلم) فعل شيئا جميلا.. فقد نحر جملا يعرفه الجميع ...
ما هذا الجمل؟!
إنه جمل (أبي جهل)...!
وكان (صلى الله عليه وسلم) قد أخذ هذا الجمل من غنائم بدر.. وأتى به إلى هنا إلى مكان الحديبية لينحره.. فحقق بذلك هدفين رئيسيين:
(1) أغاظ المشركين.. فالجمل معروف عندهم بسبب وجود علامة في أنفه.. وهي حلقة من فضة موضوعة هناك .. فالجميع يعرفه..
(2) أراد (صلى الله عليه وسلم) تذكير المسلمين بيوم بدر .. وكأنه يقول لهم .. إن الذي أخرجكم من محنة يوم بدر .. هو الذي سيخرجكم من محنة اليوم ..
كما قال الله عنهم ..
(وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ)
ولقد استوعب بعض الصحابة .. حكمة الأمر النبوي .. أما البعض الآخر .. فبقي غارقا في حزن لايعلم به إلا الله .. وكان منهم (عمر بن الخطاب)...!
قال (عمر) لرسول الله (صلى الله عليه وسلم)... ألستَ نبي الله ؟!
وهذه كلمات شديدة .. لكن الرسول الحبيب بسعة صدره العجيبة .. قال "بلى"..
فقال (عمر) .. ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟!..
قال (صلى الله عليه وسلم).."بلى"
فقال (عمر) .. فلِمَ نعطي الدنيّة في ديننا؟!
وهذا الكلام شديد جدا .. ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) مستحيل أن يعطي الدنية أبدا في دينه.. لكن هكذا رأى (عمر) .. الذي يصرح بكلمات لم يجرؤ أحد على التحدث بها ..
فقال له (صلى الله عليه وسلم).. "إني رسول الله ولستُ أعصيه.. وهو ناصري"
وفي رواية .. "ولن يضيعني أبدا"
أي في هذا الأمر الذي تكرهونه ...سترون خيرا إن شاء الله..
لكن (عمر) لم يقتنع ...
فقال .. "أو لستَ كنت تحدثنا إنا سنأتي البيت فنطوف به؟!"
(لاحظ الصراحة المطلقة وأنّى لحكامنا اليوم سعة صدر الحبيب المصطفى)
وكان (عمر) يتحدث .. وهو يعبر عن مدى المأساة التي كان يعيشها الصحابة .. لكن المخاطَب هو رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. فكيف يغضبه التفكير البشري .. ؟!
فرد عليه (صلى الله عليه وسلم).. "بلى .. أفأخبرتك أنك تأتيه العام؟"
فقال (عمر) .. لا ..
فقال (صلى الله عليه وسلم).. "فإنك آتيه ومطوّف به"
ومع ذلك .. فإن الحبيب الشديد في دينه (عمر) .. لم يقتنع ..!
فذهب إلى (أبي بكر الصديق) .. فقال له.. يا أبا بكر.. أليس هذا نبي الله حقا؟ ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ فلِم نُعطي الدنية في ديننا؟..
فانتفض (الصديق).. وهو الرجل الهاديء اللطيف ..
وقال.. أيها الرجل.. إنه لرسول الله (صلى الله عليه وسلم).. وليس يعصي ربه وهو ناصره..
وسبحان الله...!
فقد توافقت كلمات (الصديق) مع كلماته (صلى الله عليه وسلم).. رغم أنه لم يسمعها .. !
ثم قال (الصديق) لـ (عمر) .. فاستمسك بغرزه حتى تموت... فوالله إنه على الحق..
لكن (عمر) واصل كلامه .. فقال .. أوليس كان يحدثنا أننا سنأتي البيت ونطوف به؟..
فردّ عليه (الصديق) .. بلى ..
ثم قال .. أفأخبرك أنك تأتيه العام؟!!!!!!..
انظر التوافق في الكلام .. سبحان الله ..! وهذا لم يأت من فراغ... بل درجلة عالية من اليقين .. وإيمان كامل بالله تعالى .. وبرسوله الكريم .. | |
|
| |
| سيرة سيد الخلق | |
|