وطار البشير إلى (زينب) بالبشرى .. وقيل أن المبشر كان (سلمى) خادم الرسول .. وقيل إن حامل البشرى هو (زيد) نفسه ..
فلما سمعت (زينب) ذلك الخبر .. تركت مابيدها وقامت تصلي لربها شاكرة..
وكانت وليمة العرس حافلة مشهودة .. إذ ذبح (صلى الله عليه وسلم) شاة ... وأمر مولاه (أنس بن مالك) .. أن يدعو الناس إلى الوليمة .. فجاؤوا افواجا .. يأكل فوج فيخرج .. ثم يدخل فوج فيأكل ويخرج ..
قال (أنس) .. حتى أكلوا كلهم ..
فقال له (صلى الله عليه وسلم).. "يا أنس .. ارفع"
وجلس طوائف منهم يتحدثون في بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. ورسول الله (صلى الله عليه وسلم) جالس .. وزوجته مولية ظهرها إلى الحائط .. فثقلوا عليه (صلى الله عليه وسلم)..
وفي رواية .. أنه تخلف رجلان استأنس بهما الحديث فلم يخرجا .. فتركهما (صلى الله عليه وسلم) وجعل يمر على نسائه .. فيسلم على كل واحدة منهن ..
"سلام عليكم .. كيف أنتم يا أهل البيت؟"
فيقلن.. بخير يارسول الله .. كيف وجدتَ أهلك؟..
فيقول (صلى الله عليه وسلم).. "بخير"..
فلما فرغ .. رجع ورجعت معه .. فلما بلغ الباب .. إذا بالرجلين قد خرجا ...
ومن يومها .. فُرض الحجاب على نساء النبي .. وعلى المؤمنات جميعا .. رمز عزة وعفة وكرامة .. وترفّعٍ عن الابتذال ..
وكانت (زينب) يوم تزوجها النبي (صلى الله عليه وسلم).. في عمر الـ 35 ..
وكان اسمها (برّة) .. فسماها رسول الله (صلى الله عليه وسلم)... (زينب)..
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 11 يونيو 2014, 11:16
أكرمهنّ وليا وسفيرا .. وأطولهن يدا
ودخلت (زينب) بيت النبي (صلى الله عليه وسلم) ... وضاقت نساء الرسول بهذه العروس الجديدة .. وهي التي تعتز بجمال وشرف وقربى من رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. وبأن الله هو الذي زوّجها ..
ولم تكذب (زينب) ظنهن .. فإنها ما لبثت أن واجهتهن .. وقد أدركت ما يطوين لها ..
فقالت.. أنا أكرمكن وليا .. وأكرمكن سفيرا.. زوجكنّ أهلكن..وزوجني الله من فوق سبع سموات..
وعلى رغم هذا الخلاف الفطري ...إلا أن (عائشة) كانت تقول عنها ...
"لم أر امرأة قط خيرا في الدين من زينب .. وأتقى لله .. وأصدق حديثا .. وأوصل للرحم .. وأعظم صدقة .. وأشد ابتذالا لنفسها في العمل الذي يُتصدق به.. ويُتقرب به إلى الله عز وجل"
وفي الحديث .. أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال يوما لـ (عمر) ..
"إن زينب بنت جحش.. أوّاهة"
فقال رجل .. يارسول الله .. ما الأوّاه؟!
قال (صلى الله عليه وسلم) .. "الخاشع المتضرع.."
ثم تلا (صلى الله عليه وسلم) قوله تعالى ... "إن إبراهيم لحليمٌ أواهٌ منيب"
وكانت (زينب) كريمة .. خيّرة .. تصنع بيديها ما تحسن صنعه .. ثم تتصدق به على المساكين ..
وحين ماتت (زينب) بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ... قالت (عائشة)..
"قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. أسرعكن لحاقا بي أطولكن يدا .. فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. نمد أيدينا في الجدار ونتطاول .. فلم نزل نفعل حتى توفيت زينب بنت جحش..ولم تكن بأطولنا .. فعرفنا حينئذ أن النبي (صلى الله عليه وسلم) .. إنما أراد طول اليد بالصدقة.. وكانت زينب امرأة صناع اليدين تدبغ وتغرز .. وتتصدق في سبيل الله"
ويروى أن (عمر بن الخطاب) حينما أصبح أمير المؤمنين.. أرسل إليها عطائها 12 ألفا ..
فجعلت تقول .. اللهم لا يدركني هذا المال في قابل .. فإنه فتنة ..
ثم قسمته في أهل رحمها وفي أهل الحاجة ..
فبلغ ذلك (عمر) .. فوقف ببابها .. وأرسل إليها السلام ..
ثم قال ... بلغني ما فرّقتِ .. فأرسلُ ألف درهمٍ تستبقينها...
وأرسل الألف الأخرى .. فتصدقت بها جميعا .. ولم تبق منها درهما ..
وحين حضرتها الوفاة .. سنة 20 هـ ..
قالت .. إني قد أعددتُ كفني .. وإن عمر أمير المؤمنين سيبعث إلي بكفن.. فتصدقوا بأحدهما .. وإن استطعتم أن تتصدقوا بحقوي (إزاري) فافعلوا...
فكانت .. أول من مات من نساء النبي (صلى الله عليه وسلم) .. بعد وفاته ..
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 11 يونيو 2014, 11:16
تحالف الأحزاب وأثره على المدينة
تحرك الغل والحقد والحسد في قلوب اليهود.. وبالذات أولئك الذين أجلاهم الرسول (صلى الله عليه وسلم) من بني النضير.. فكانوا كما وصفهم الله سبحانه تماما في سورة المائدة ..
فهم الأشد مطلقا في عداوتهم للمؤمنين.. وقدم الله عداوتهم على عداوة المشركين ... رغم فظاعة عداوة المشركين.. لأن اليهود لا يكتفون بكرههم وحقدهم.. بل يؤلبون الفتنة في كل مكان.. ويحركون غيرهم لحرب أعدائهم ..
فماذا حصل ؟!
قام فريق من يهود بني النضير الذين كانوا يستقرون في خيبر.. وعلى رأسهم حيي بن أخطب النضري .. وسلام بن أبي الحقيق النضري.. وكنانة بن الربيع النضري وغيرهم من زعماء اليهود.. وكان الوفد يزيد على 20 يهوديا ..
فأين ذهبوا ؟!
لقد أتجهوا إلى قبائل العرب ... يجمعونها ويحزبونها ويشجعونها على الائتلاف للحرب .. ضد المسلمين ..
كان هدفهم استئصال المسلمين تماما.. وإنهاء الوجود الإسلامي من الأرض بالكلِّيَة.. وليس مجرد الانتصار في غزوة عابرةز.
فذهب هذا الوفد الشيطاني إلى قريش.. ودارت بينه وبينها مفاوضات خطيرة... وطلبوا من قريش التجمع صراحة لحرب المسلمين في المدينة .. وان يجمعوا حلفائهم وأنصارهم من القبائل المختلفة.. على أن يتولى اليهود جمع القبائل الأخرى البعيدة عن قريش .. كما سيقوم اليهود بمساعدتهم ماديا وعسكريا في هذه الحرب ..
ثم اتفق اليهود مع مشركي قريش واجتهد كل فريق في إتمام مهمته على الوجه الأكمل.. لكن قبل أن نترك هذه النقطة لنا فيها ثلاث وقفات مهمة...
أولا
وضح لنا في هذا الموقف أحد أساليب اليهود الرئيسية في الكيد والمؤامرة.. وهو الكذب وتزييف الحقائق وتزيين المنكر... وإن كان هذا قد حدث بهذه الصورة البسيطة في هذا الموقف... فهو يحدث بصورة أكثر تعقيدا في زماننا هذا .. وذلك بوجود وسائل الإعلام المختلفة ..
ثانيا
أن اليهود وضعوا أيديهم في يد المشركين على اختلاف فكرهم وسياساتهم وعقيدتهم .. وقبل المشركون بهذا التحالف مع كونهم لا يؤمنون باليهودية ولا بالرسالات السماوية بصفة عامة.. لكن كما يقال .. الكفر ملة واحدة ..
ثالثا
أن اليهود حركوا قريشا وسيحركون غطفان.. وسيجمعون 10 آلاف مقاتل.. ومع ذلك فهم لن يشاركوا في الحرب بصورة مباشرة ..إلا عند الاضطرار في النهاية. وهذا أسلوب يهودي قديم... وما زال يستخدم إلى الآن فهم يحركون جيوش الغير... وطاقات الدول الأخرى.. ولا يظهرون هم في الصورة وهذا يحفظ لهم البقاء.. ويحمي أرواحهم وأموالهم..
فها هم المشركون يضحون بأرواحهم وأموالهم لحرب المسلمين واليهود الأشد عداوة يراقبون عن بعد.. ويحركون الأحداث بأصابع خفية..
وهكذا .. بدأت قريش تنشط في جمع حلفائها ومعاونيها من كنانة ومن أهل تهامة ومن بني سليم فيتجمع لديها 4000 مقاتل. ثم انطلق اليهود إلى مجموعة ضخمة من القبائل تعرف بقبائل بني غطفان في شرق المدينة.. وعلى مسافة بعيدة من مكة.. فالتقوا بزعمائها... وطلبوا منهم تجميع الجيوش والتحالف مع قريش لحرب المسلمين..
لكن قبائل غطفان لم يكن عندها من الحماسة ما كان عند قريش وليس لها تاريخ طويل من العداء كقريش.. فلم يتحركوا التحرك الذي أراده اليهود..
فهل يسكت اليهود ؟!
لا ..
لجئوا للرشوة بالمال .. بعد أن استنفذوا أسلوب الكذب.. فتعامل اليهود مع بني غطفان كما يتعاملون مع أي مرتزقة مأجورين.. فعرضوا عليهم ثمار خيبر لمدة سنة كاملة ... مقابل تجمع 6000 غطفاني للحرب ..!!!
وبالطبع .. سال لعاب غطفان .. وقبلت العرض المغري .. وبدءوا في تجميع الجيوش من قبائلهم وبطونهم المختلفة...
والشاهد في هذا الموقف .. أن اليهود مع حبهم الشديد للمال وحرصهم عليه واتصافهم على العموم بالبخل.. إلا أنهم ينفقون هذا المال بغزارة لحرب الدين وتزييفه .. ومقاومة العقيدة السليمة.. ونشر الإباحية والمجون..
وبهذا الإعداد والتنسيق .. جمع اليهود من مشركي العرب 10 آلاف مقاتل لحرب المسلمين .. وهو رقم لم تسمع به الجزيرة العربية قبل ذلك.. فلقد كان العرب إذا أرادوا التفاخر .. قالوا نزيد على الألف ..
لكن ..
كيف كانت ردة فعل المسلمين .. بعد سماعهم لهذه الأخبار ؟!
أولا .. يجب أن نعلم حقيقة مهمة .. هو أنه إذا كان الله سبحانه يريد نصرا وتمكينا للمسلمين .. فإنه يسبق هذا النصر بفترة امتحان وابتلاء للتفرقة بين المؤمنين والمنافقين.. وكلما اقترب النصر ازداد البلاء.. حتى إذا وصل المسلمون إلى مرحلة القمة في الابتلاء ...جاء نصر الله .. وجاء في وقت لا يتوقعه مسلم ولا كافر..
إذن متى يكون النصر قريبا؟ يكون قريبا إذا وصل المسلمون إلى مرحلة الزلزال.. وعندما تصل الفتنة إلى ذروتها .. وعندما يعلو نجم الباطل وتنتعش قوته وتتعاظم إمكانياته .. وعند تجمع الأحزاب وتحالف شياطين الإنس والجن لاستئصال المؤمنين.. عند هذه الأحداث فقط .. يكون النصر قريبا فعلا ..
وهذا ما فعله المؤمنون في المدينة ... عندما وصلتهم أنباء تجمع الجيوش الكافرة.. فقد علموا أن هذه أمارة النصر.. وتبين لهم صدق موعود الله في الجزئية الأولى وهي تجمع الأحزاب.. وحتما سيتحقق وعد الله في الجزئية الثانية وهي نصر المؤمنين.. لذلك استقبلوا الأمر بثبات، وازداد يقينهم وإيمانهم بالله. فهذه الآية نزلت قبل تجمع أحزاب الأعداء ..
أما المنافقون بالمدينة .. فمساكين.. فهم لا يعرفون إلا حسابات الورقة والقلم.. ولا يقدرون لله قدره ولا يؤمنون بوعده.. بل يحكمون عقولهم في كل صغيرة وكبيرة..
فينظر هؤلاء المنافقون إلى أعداد المشركين الهائلة .. فيقولون... هذه أعداد لا تغلب.. وقوة لا تهزم...فالفجوة بيننا وبينهم هائلة.. ولا طاقة لنا بهم.. ومهما وعدنا بالنصر فهذا وعد مكذوب.. وأوهام لا وجود لها على أرض الواقع...
وهذه مراحل حتمية تمر بها الأمة قبل النصر.. ارتفاع مطرد في معدل الابتلاء والاختبار... ثم الوصول إلى مرحلة الزلزال وهي أعلى درجات الابتلاء والفتنة.. ثم تمايز الصف إلى مؤمن ومنافق.. ثم إقدام المؤمنين ثابتين وقد خلص صفهم من المنافقين.. ثم نصر من الله وفتح مبين.
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 11 يونيو 2014, 11:18
غزوة بني المصطلق (غزوة المريسيع)
سمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بتجميع قبيلة بني المصطلق لغزو المدينة.. فما كان منه (صلى الله عليه وسلم) إلا أن جمع جيشه .. وأقرع بين نسائه ليرى من سترافقه منهم .. وكانت تلك عادته .. فوقع السهم على (عائشة) .. ثم انطلق بالجيش مسرعا..
فباغت بني المصطلق عند منطقة تعرف بماء المريسيع.. وعندها انتصر المسلمون انتصارا كبيرا وغنموا غنائم ضخمة .. وسلبوا عددا كبيرا من نساء القبيلة .. كان منهم (برّة بنت الحارث).. ابنة زعيم بني المصطلق (الحارث بن ضرار)... وكانت ضربة هائلة للقبيلة...
وقفل (صلى الله عليه وسلم) راجعا إلى المدينة ..
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 11 يونيو 2014, 11:19
محنة الإفك
عندما عاد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) من غزوة بني المصطلق .. أناخ العسكر في مكان قريب من المدينة .. فباتوا بعض الليل.. ثم أذن فيهم بالرحيل .. فارتحلوا ..
ولم يخطر ببال احدهم .. أن (عائشة) قد تخلّفت حيث أناخوا ..
وبلغ الركب المدينة في مطلع الصبح .. واقتيد بعير أم المؤمنين إلى مناخه أمام بيتها .. وأنزل الهودج في رفق .. فإذا أم المؤمنين ليست فيه ...!
ولبث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحبه ساعة من نهار .. حائرين قلقين.. وانطلق بعضهم في الطريق .. يلتمسون العزيزة الغائبة ..
حتى بدت من بعيد .. تركب بعيرا .. يقوده رجل .. اسمه (صفوان بن المعطل السلمي)..
واطأن الرسول أن وجدها بخير .. وأخبرته بما حدث معها .. فما أنكر منه شيئا ...
إذ قالت ..
"خرجتُ لبعض حاجتي .. قبل أن يؤذّن الناس بالرحيل .. وفي عنقي عقد لي فيه جزع ظفار (باليمن).. فلما فرغتُ أنسل من عنقي ولا أدري.. فلما رجعتُ إلى الرحل ِ .. ذهبتُ ألتمسه في عنقي فلم أجده .. وقد أخذ الناس في الرحيل ..
فرجعتُ إلى مكاني الذي ذهبتُ إليه .. فالتمسته حتى وجدته .. وجاء القوم وأنا بعيدة .. فرحلوا ببعيري وأخذوا الهودج وهم يظنون أني فيه .. إذ كنتُ خفيفة فلم يثقلني اللحم .. فاحتملوا الهودج فشدوه على البعير .. ولم يشكّوا أني فيه ..
ثم أخذوا برأس البعير فانطلقوا به .. فرجعتُ إلى العسكر وما فيه من داع ولا مجيب .. قد انطلق الناس...
فتلفلفت بجلبابي .. ثم اضطجعتُ في مكاني .. وعرفتُ أن لو قد اُفتقدتُ .. لرُجع إلي .. فوالله أني لمضطجعة.. إذ مر بي صفوان بن المعطل السلمي .. وقد كان قد تخلف عن العسكر لبعض حاجته فلم يبت مع الناس ..
فرأى سوادي فأقبل حتى وقف عليّ .. (وكان رآها قبل ضرب الحجاب)..
فلما رأني قال .. إنا لله وإنا إليه راجعون .. ظعينة رسول الله !.. ما خلّفك ِ يرحمك الله ؟!
فما كلمتُه ...
ثم قرب البعير .. فقال .. اركبي ..
واستأخر عني .. فركبت .. وأخذ برأس البعير فانطلق سريعا يطلب الناس .. فوا الله ما أدركنا الناس وما أفتُقدتُ .. حتى أصبحتُ ونزل الناس .. وطلع الرجل يقود بي .."
وخلدت (عائشة) بعد ذلك في فراشها .. فنامت هانئة هادئة ..
لكن المدينة .. كانت يقظى .. لم تنم .. !
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 11 يونيو 2014, 11:19
البهتان العظيم
ابتدأ حديث يسري بين أحياء اليهود والمنافقين .. فكان ممن روّج له .. زعيم المنافقين (ابن سلول) .. ثم انتقل رويدا رويدا .. إلى باقي أحياء المدينة ..
وللأسف .. بدأ يردده بعض من المسلمين .. منهم .. (حسان بن ثابت) شاعر الرسول (صلى الله عليه وسلم).. و (مسطح بن أثالة) قريب (أبي بكر) وموضع بِرّه ونفقته .. و (حمنة بنت جحش).. ابنة عمته (صلى الله عليه وسلم).. وأخت (زينب) زوجته..
وبلغ الحديث أذني رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. كما بلغ مسامع (أبي بكر) وزوجته (أم رومان) .. فصكها صكا ..
لكن أحدا منهم لم يستطع أن يواجه (عائشة) بالشائعة الرهيبة .. إذ إن (عائشة) كانت مصابة بالحمى مذ عادت من غزوة بني المصطلق.. فلم تكن تدري ما يقوله الناس عنها .. ولايبلغها من ذلك شيء .. إلا أنها أنكرت من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. جفوة ظاهرة.. وكان قد عودها إذا أشتكت من قبل .. أن يلاطفها بحنانه.. لكن هذه المرة .. لم يزد (صلى الله عليه وسلم) عن سؤال واحد.. كلما رأى والدتها بجانبها تراعيها ..
فيقول .. "كيف تيكم؟" ..
أي كيف هي .. ولا يزيد عن ذلك .!!
ولم تشأ (عائشة) أن تسأله عما يريبها من جفائه .. فقد كان يبدو لها واجما مشغول البال .. وكانت تعلم أنه (صلى الله عليه وسلم) يكابد هما ثقيلا .. لكن لاتعلمه ..
لكن (عائشة) .. لم تحتمل هذه الجفوة .. فقالت لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) في يوم من الأيام ..
"يارسول الله .. لو أذنت لي فانتقلتُ إلى بيت أمي فمرضتني"
فقال (صلى الله عليه وسلم)... " لاعليك ِ" ..
فانتقلت (عائشة) إلى بيت أمها ولا علم لها بشيء مما كان .. حتى شُفيت من مرضها بعد بضع وعشرين ليلة ..
وفي يوم .. خرجت (عائشة) مع قريبتهم (أم مسطح).. في حاجة ٍ لهما ..
فعثرت تلك المرأة ... فقالت .. تعِس مسطح .. !
قالت (عائشة).. بئس لعمر الله ما قلتِ لرجل ٍ من المهاجرين شهد بدرا !
قالت (أم مسطح) .. أو ما بلغك ِ الخبر يا بنت أبي بكر ؟!
قالت (عائشة) مستغربة .. وما الخبر ؟!
قالت (أم مسطح) .. نعم والله .. لقد كان ........
ثم سردت لها القصة كاملة .. فما استطاعت (عائشة) أن تكمل طريقها لتتم حاجتها .. وبدأت بالبكاء وعادت لبيت أبيها ..
فقالت لأمها (أم رومان) .. يغفر الله لك ِ .. تحدث الناس بما تحدثوا ولا تذكرين لي من ذلك شيئا ؟!
قالت الأم .. أي بنية !.. خفّضي عليك ِ الشأن .. فوالله لقلما كانت امرأة حسناء عند رجل يحبها .. لها ضرائر .. إلا كثّرن وكثر الناس عليها .. !
لكن (عائشة) باتت مسهدة .. لايرقأ لها دمع .. ولاتكتحل عيناها بنوم ..
وبعيدا عنها .. كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يعاني مثل الذي تعانيه .. قلبه يحدثها أنها ضحية اتهام ظالم فادح .. وأذناه تصغيان إلى الشائعات المرجفة بالسوء ..
وقد قام (صلى الله عليه وسلم) في الناس يخطبهم .. ولا علم لـ (عائشة) بذلك .. فحمد الله وأثنى عليه .. ثم قال ..
"يا أيها الناس .. ما بالُ رجالٍ يؤذونني في أهلي ويقولون عليهم غير الحق ؟! والله ما علمتُ منهم إلا خيرا .. ويقولون ذلك لرجلٍ والله ماعلمتُ منه إلا خيرا .. وما يدخل بيتا من بيوتي إلا وهو معي .."
فلما سمع المسلمون هذا الكلام .. كادت أفئدتهم تنخلع تأثرا لنبيهم (صلى الله عليه وسلم) في محنته .. ويثورون غضبا لزوجة كريمة .. وعقيلة حرة .. فاختلطت أصواتهم في طلب الانتقام والتأديب .. وثارت ثائرة الأوس والخزرج مطالبين بأعناق أصحاب الإفك..
ثم ذهب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لبيت (أبو بكر) .. فدخل على (عائشة) ومعه (علي) و (أسامة بن زيد) .. واستشارهما ..
فأما (أسامة) .. فأثنى على (عائشة) خيرا ..
وقال.. يارسول الله .. أهلك ولانعلم منها إلا خيرا .. وهذا الكذب والباطل ..
وأما (علي) فقال .. يارسول الله ..إن النساء لكثير.. وإنك لقادر على تستخلف.. وسل الجارية فإنها ستصدقك..
فدعا (صلى الله عليه وسلم) جارية (عائشة) .. واسمها (بريرة) .. ليسألها ..
فقال إليها (علي بن أبي طالب) .. فضربها وهو يقول .. أصدقي رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
فقالت (بريرة).. والله ما أعلم إلا خيرا .. وما كنتُ أعيب على عائشة شيئا .. إلا أني كنتُ أعجن عجيني فآمرها أن تحفظه .. فتنام عنه .. فتأتي الشاة فتأكله.. !..
فخرج (صلى الله عليه وسلم) مثقل الكاهل .. محزون الفؤاد ..
ثم عاد (صلى الله عليه وسلم) بعد أيام .. لبيت (أبو بكر) .. فإذا (عائشة) هناك مقرحة الأجفان تبكي .. وتبكي معها زائرة لها من الأنصار .. وأبواها ينظران إليها في صمت وأسى ..
ولأول مرة .. منذ شاع حديث الإفك .. جلس (صلى الله عليه وسلم) يحدث (عائشة)..
فقال .. "ياعائشة.. إنه قد كان ما قد بلغك ِ من قول الناس .. فاتقي الله .. وإن كنتِ قد قارفتِ سوءا مما يقول الناس .. فتوبي إلى الله .. فإن الله يقبل التوبة عن عباده ..."
فما إن قال (صلى الله عليه وسلم) هذا الكلام .. حتى جف الدمع من مقلتيها .. وهرب الدم من عروقها .. والتفتت إلى أبويها وكأنها تنتظر منهم الدفاع عنها .. لكنهما سكتا ولم ينطقا بحرف ..
فصاحت فيهما بملء عذابها .. ألا تجيبان ؟!
ثم التفتت إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. وقالت ..
"والله لا أتوب إلى الله مما ذكرتَ أبدا .. والله إني لأعلم .. لئن أقررتُ بما يقول الناس والله يعلم إني بريئة.. لأقولنّ ما لم يكن.. ولئن أنا أنكرت .. لا تصدقونني"
ثم حاولت الحبيبة أن تتذكر اسم يعقوب النبي لتتأسى به .. فما استطاعت ..
فقالت .. "ولكني سأقول كما قال أبو يوسف .. فصبرٌ جميل والله المستعان على ما تصفون"
ثم صمتت ...
فلم يبرح (صلى الله عليه وسلم) مجلسه عندها.. حتى تغشاه الوحي .. فسُجّي بثوبه .. ووضعت له وسادة من أدم تحت رأسه ..
وكان (أبو بكر) .. قد أوقف نفقته على قريبه (مسطح) .. بعد أن كان سببا في تلك الشائعة المغرضة.. فأمره الله عز وجل .. أن يُرجع نفقته عليه .. وأن يعفو عنه ويصفح...
وأما (عائشة) ... فعادت لبيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. تحف بها هالة من آيات النور والشرف .. نصرا إلهيا جعل براءتها من الإفك الأثيم .. قرآنا يتعبد به المسلمون ...
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 11 يونيو 2014, 11:20
أبي زرع وأم زرع
عادت (عائشة) لتستأنف حياتها الزوجية مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. وكان الناس يعلمون .. مكانتها عند النبي المصطفى ..
فعن (عمرو بن العاص) .. قال ..
قلت لرسول الله (صلى الله عليه وسلم).. يارسول الله من أحب الناس إليك؟!
قال (صلى الله عليه وسلم).. "عائشة"
قلت.. من الرجال؟!
قال (صلى الله عليه وسلم).. "أبوها"
قلت.. ثم من ؟!
قال (صلى الله عليه وسلم) .."ثم عمر بن الخطاب".. فعدّ بعدها رجالا..
وعن (عائشة) قالت ..
"قال لي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. إني لأعلم متى كنت عني راضية .. وإذا كنتِ علي غضبى .. قلت.. ومن أين تعرف ذلك ؟! قال: أما إذا كنتِ راضية فإنك تقولين: لا ورب محمد.. وإذا كنتِ غضبى قلتِ: لا ورب إبراهيم.. قلت: أجل والله يارسول الله .. ما أهجر إلا اسمك"
أما وحديث (أم زرعٍ) فمشهور .. خلاصته أن 11 نسوة جلسن يتحدثن عن أزواجهن .. وتعاهدن أن لايكتمن من أحوالهم معهم شيئا .. فتحدثت كل منهن عن زوجها وما تشكو من أمره أو أبويه .. فلما جاء دور أخراهن (أم زرع) .. تحدثت عن زوجها (أبو زرع) .. فأثنت عليه أطيب الثناء .. وأسهبت في وصف كرم سجاياه وفيض خيره وجميل عشرته ..
ولما حكت (عائشة) لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) تلك القصة ..
قال لها .. "كنتُ لك ِ كأبي زرع لأم زرع"
ولقد كان المسلمون يعلمون مكانة (عائشة) عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. فيتحرون بهداياهم يومها .. يبتغون بذلك مرضاته (صلى الله عليه وسلم).. ومع أنه كان يرسل لكل زوجة نصيبها مما يتلقى .. وهو في بيت (عائشة) .. إلا أن الغيرة استفزتهن .. فتشاورن في وضع حد لما يلقين من بنت (أبي بكر)..
وانتهى بهن الرأي .. إلى أن يلتمسن من السيدة (فاطمة الزهراء) .. مخاطبة أبيها (صلى الله عليه وسلم) .. فاستجابت رضي الله عنها .. فدخلت على أبيها و(عائشة) عنده ..
فقالت .. يا أبي .. إن نساءك أرسلنني إليك .. وهن ينشدن العدل في ابنة أبي قحافة..
فقال لها (صلى الله عليه وسلم).. "أي بنية .. ألستِ تحبين ما أحب؟"
قالت (فاطمة) .. بلى ..
قال (صلى الله عليه وسلم) .. "فأحبّي هذه" .. !
فعادت إليهن .. فأخبرتهن بالذي سمعت من أبيها (صلى الله عليه وسلم) ..
وقالت .. والله لا أكلمه فيها أبدا...
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 11 يونيو 2014, 11:21
الأسيرة الحسناء
بعد عودتهم من غزوة بني المصطلق .. وانتهاء محنة الإفك ..
وبينما كان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) جالس يوما في حجرة (عائشة) .. سُمعت امرأة تستأذن في لقائه (صلى الله عليه وسلم).. وقامت (عائشة) إلى الباب لترى من تلك .. فإذا شابة حلوة .. مفرطة الملاحة .. في نحو الـ 20 من عمرها .. ترتجف قلقا وذعرا ..
وكرهت (عائشة) أن تمكنها من لقاء النبي .. فوقفت حيال ذلك الأمر .. وقالت لها أن النبي (صلى الله عليه وسلم) يستريح ..
لكن الشابة الغريبة ألحت في الاستئذان .. فلم تملك (عائشة) إلا أن توافق .. وفي نفسها خاطر قلق ..
ودخلت الشابة المليحة .. فقالت في وهن ..
"يا رسول الله .. أنا بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه.. وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك .. فوقعتُ في السهم لثابت بن قيس.. فكاتبته على نفسي .. فجئتك أستعينك على أمري"
فتأثر (صلى الله عليه وسلم) للكريمة المُهانة والعزيزة المُستذلة .. وهي سيدة حرة أصيلة تلوذ به .. وهو الذي هزم قومها لتنجو من مهانة السبي والرق..
فقال (صلى الله عليه وسلم) .. "فهل لك ِ في خير ٍ من ذلك ؟!"
قالت .. وما هو يارسول الله ؟!
قال.. "أقضي عنكِ كتابتك .. وأتزوجكِ ؟!"
فتألق وجهها وهي لاتصدق أنها نجت من الذل.. وقالت .. نعم يارسول الله..
فقال (صلى الله عليه وسلم) .. "قد فعلت" ..
وغير أسمها (صلى الله عليه وسلم) إلى (جويرية) ..
وفي رواية بالاستيعاب والإصابة .. أن والدها أتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
فقال له .. يا محمد .. أصبتم ابنتي وهذا فداؤها.. فإن ابنتي لايُسبى مثلها..فخل سبيلها ..
قال (صلى الله عليه وسلم).. "أرأيتُ إن خيرتها .. أليس قد أحسنت؟"
قال الأب .. بلى ..
فأتاها أبوها فذكر لها ذلك .. فقالت.. أخترتُ الله ورسوله ..
وقيل إن أباها كان قد أخفى بأحد شعاب مكة .. بكرين (ناقتين) .. مما جاء به في فداء ابنته .. فلما سأله (صلى الله عليه وسلم) عنهما ..
قال.. أشهد أنك رسول الله حقا .. !
فخطب إليه ابنته .. فزوجه إياها .. وكان صداقها 400 درهم ..
لكن .. لماذا يا ترى تزوجها (صلى الله عليه وسلم) ؟!!!
بركة العروس
ما أسرع ما خرج الخبر إلى الناس ..
أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. قد تزوج بنت الحارث بن أبي ضرار ..
فتداعوا لتكريم تلك السيدة التي أعزها نبيهم بالزواج ..
وأقبلوا على من بأيديهم من أسرى قومها .. فأرسلوهم أحرارا ... !
وهم يقولون .. أصهار رسول الله ... !
ودخلت العروس بيت النبي (صلى الله عليه وسلم)...
وما من امرأة أعظم على قومها بركة منها ..
فقد أعتق بزوجها منه (صلى الله عليه وسلم) .. أهل 100 بيت من بيوت بني المصطلق .. !
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 11 يونيو 2014, 11:22
أهمية غزوة بني المصطلق
إن غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع .. لم تكن من الغزوات الكبرى لرسول الله (صلى الله عليه وسلم).. ولم يكن فيها الصراع طويلا.. ولا القتلى والشهداء كثيرا..
إلا أن هذه الغزوة اكتسبت أهمية خاصة في السيرة النبوية.. لخطورة الآثار الخبيثة التي تسبب فيها المنافقون المشاركون في هذه الغزوة.. إذ قرروا أن يرافقوا المسلمين فيها ..
وقد تسبب المنافقون هنا .. في أكثر من أزمة .. كادت كل واحدة منها أن تطيح بكيان الدولة الإسلامية..
وهذا عين ما حدث في غزوة بني المصطلق ..فقد تسببوا في مجموعة متتالية من الفتن وللأسف الشديد ..
فكان كما قال الله ..
(وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ)
أي فيكم أيها المؤمنون الصادقون من يلتبس عليه الأمر ...فيشارك في الفتنة ويقع فيها..
فما الذي أثاره المنافقون من فتن ؟!
الأزمة الأولى... كانت صراعا قام بين المهاجرين والأنصار على السقاية من بئر من آبار المنطقة.. هذا الحدث نادر في السيرة ولعله الوحيد ... وكانت أزمة كبيرة كادت أن تتفاقم لولا حكمة الرسول (صلى الله عليه وسلم) في السيطرة عليها.
ثم نجمت عن هذه الفتنة فتنة أخرى خطيرة.. هي فتنة نداء المنافقين في أوساط الأنصار ..بأن يخرجوا المهاجرين من المدينة.. وقال (ابن سلول) كلمته الفاجرة يعلق فيها على المهاجرين بقوله...
"والله ما نحن وهم إلا كما قال الأول: سمن كلبك يأكلك.. أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منا الأذل.."
وكانت أزمة خطيرة توشك أن تقضي على الأمة، لولا أن الله سلم..
المهم الذي نريد أن نذكره في هذا المقام .. أنه بالرغم من الأزمات والفتن التي حدثت في غزوة بني المصطلق .. إلا أن أسهم المسلمين كانت في ارتفاع.. وكان الجو العام في الجزيرة العربية يشير بوضوح إلى نمو الدولة الإسلامية نموا سريعا.. وأن هذا النمو يسير بشكل طبيعي ومتدرج ومدروس..
ولقد كانت غزوة بني المصطلق هذه في شهر شعبان سنة 6هـ.. مع أن المدينة كانت تغلي بالأحداث الأخيرة وخاصة حادث الإفك.. إلا أن حركة الجهاد لم تتوقف..
فقد أخرج الرسول (صلى الله عليه وسلم).. سرية هامة .. إلى ديار بني سعد بفدك.. والذين كانوا يعدون قوة للتعاون مع يهود خيبر لحرب المسلمين.. وكانت هذه السرية الأخيرة بقيادة (علي بن أبي طالب)..
وفي شهر رمضان ... أرسل الرسول (صلى الله عليه وسلم) سرية أخرى إلى بني فزارة .. في منطقة وادي القرى.. وكان على رأسها (أبو بكر الصديق) أو (زيد بن حارثة).. وكانت هناك امرأة تدعى (أم قرفة).. أعدت فرقة من 30 فارسا .. لاغتيال رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. وقد واجهت السرية الإسلامية هؤلاء الفرسان الـ 30 ..فقُتل المشركون جميعا..
ثم ازداد نشاط المسلمين جدا ...
فأخرج الرسول (صلى الله عليه وسلم) سرايا خطيرة. أما الأولى فكانت إلى مجموعة من المشركين من قبائل عكل وعرينة وكانوا أظهروا الإسلام ثم غدروا بأصحاب الرسول (صلى الله عليه وسلم).. وقتلوا واحدا منهم .. وسرقوا كمية من الإبل.. فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في أثرهم سرية .. بقيادة (كرز بن جابر الفهري) ... واستطاع الإمساك بهم وقتلهم... وتمكن من استرداد الإبل.
وأما السرية الثانية في شهر شوال فكانت سرية بقيادة (عبد الله بن رواحة).. وكانت مهمتها اغتيال (اليُسير بن رِزام) أمير خيبر وهو من أكابر اليهود ومن الذين أخذوا يجمعون اليهود في خيبر ووادي القرى لحرب المسلمين.. ولم يكتف بذلك بل بدأ يجمع غطفان من جديد لحرب المسلمين .. ويقوم بالدور الذي قام به قبل ذلك (حيي بن أخطب، وسلام بن أبي الحقيق).. ولكي لا تتكرر مأساة حصار المسلمين في داخل المدينة .. فحرص (صلى الله عليه وسلم) على التخلص من هذا الطاغية وبذلك يجنب المسلمين ويلات أزمة ضخمة قد تحدث.. فكانت هذه السرية المكونة من 30 مسلم في شوال .. وتمكنت هذه السرية فعلا من قتل (اليسير بن رزام).. وأمن المسلمون بذلك شر خيبر بصفة مؤقتة...
ولا شك أن العلاج النهائي لمشكلة خيبر.. هو أن يغزوها المسلمون وينهون شرها .. لكنه (صلى الله عليه وسلم) م يكن يستطيع أن يفعل ذلك .. دون أن يؤمن ظهره .. وأخطر ما يهدد ظهره هو غزو قريش للمدينة.. وإذا أراد (صلى الله عليه وسلم) غزو خيبر .. فعليه أن يأخذ جيشا كبيرا من المسلمين .. وقد تطول الحرب لشهر .. لبأس اليهود ومناعة حصونهم .. ولا يستطيع الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن يترك المدينة خالية من الجند فترة طويلة غير محسوبة.. لذلك اكتفى (صلى الله عليه وسلم) باغتيال رأس الفتنة ومحرك الجموع ..(اليسير بن زرام).. إلى أن يصل إلى وسيلة لتأمين جانب قريش ثم بعدها يتفرغ لقضية خيبر..
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 11 يونيو 2014, 11:22
فكرة حفر الخندق
بدأ (أبو سفيان) بمعاونة اليهود يجمع الأحزاب لمهاجمة المسلمين .. ووصل عدد المقاتلين لـ 10 آلاف مقاتل ..
وكان على المسلمين أن يأخذوا الأمر بمنتهى الجدية فبدءوا يفكرون في الأزمة القادمة بإيجابية.. وكان أول ما فعلوه ...تكوين (مجلس الشورى).. وهكذا تكون البداية الصحيحة..
فتم عقد مجلس الشورى.. مجلس من المهاجرين القرشيين والأنصار الأوس والخزرج.. وغيرهم من القبائل المختلفة.. بل إن فيهم من ليس عربيا أصلا كـ (بلال الحبشي وسلمان الفارسي9 ..
ولنرى .. كيف ساهم (سلمان الفارسي) وهو الفارسي .. في إفادة أمة العرب .. وهو ليس منها.. لكنه الدين .. هو الذي يوحد القلوب والنفوس على غاية واحدة..
قال سلمان.. يا رسول الله.. إنا كنا بأرض فارس إذا حوصرنا ..خندقنا علينا..
فسمع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وصحابته الفكرة فأعجبتهم وعلى الفور ظهر الحسم وعدم التردد فأخذوا قرارهم مباشرة بالبدء بحفر الخندق... وهنا نتوقف عند واقعية المنهج النبوي..
إذ قد يتساءل أحدهم.. كيف يجبن المسلمون عن اللقاء فيحفروا الخندق.. ولا يحاربون؟!
والإجابة هنا أن الإسلام دين واقعي.. فمع قناعتنا التامة أن الله معنا وسينصرنا إن نحن أخذنا بأسباب النصر ونصرناه إلا أننا يجب أن نأخذ بكل الأسباب.. فلقاء 10 آلاف مقاتل مشرك أمام 3 آلاف مقاتل مسلم هم كل رجال المدينة ..لقاء غير متكافئ.. خاصة أن هؤلاء الـ 10 قابلون للزيادة إذ من المحتمل أن يُضم إليهم يهود خيبر أو تنضم إليهم قبائل مشركة أخرى غير قريش وغطفان وبني سليم.. كل ذلك يجعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) يتجنب اللقاء قدر المستطاع فكانت فكرة الخندق فكرة في وقتها فعلا ..
فنحن لم نهرب من أرض الموقعة ولم نتنازل عن شيء وسيوضع العدو في مأزق لأنه لن يستطيع أن يعيش طويلا بعيدا عن بلاده وطعامه وشرابه وتجارته فسيصبح عامل الزمن في صالح المسلمين...
وعلى وجه السرعة أخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) مجموعة من الصحابة وتفقد أطراف المدينة.. ليحدد المكان الملائم لحفر الخندق.. آخذا بكل الأسباب ووجد (صلى الله عليه وسلم) أن لشرق المدينة المنورة وغربها حماية طبيعية.. وهي مرتفعات الحرة الشرقية والغربية.. وكذلك كان جنوب المدينة محميا بغابات طبيعية وأحراش..
فلم يتبق إلا منطقة الشمال ومنطقة الجنوب الشرقي.. وفي الأخيرة ديار بني قريظة وهم إلى الآن على العهد مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. والعهد لا يقضي فقط بعدم معاونة قريش... بل يقضي أيضا بالدفاع المشترك مع المسلمين عن المدينة .. إذا دهمها عدو أيا كان هذا العدو..
لذلك أرسل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لهم رسالة.. ليؤكد العهد معهم.. فأكدوا العهد وتأكيدهم للعهد مهم جدا.. لأن دخول جيوش المشركين من خلالهم قد ينتج عنه إنهاء الوجود الإسلامي تماما.. واستئصال شعب المسلمين بكامله..
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الأربعاء 11 يونيو 2014, 11:24
تحديات حفر الخندق
كما قلنا .. لم تتبق إلا منطقة الشمال مفتوحة.. لذلك أخذ رسول الله (صلى الله عليه وسلم) القرار بحفر الخندق في الشمال.. ليغلق المنطقة ما بين الحرة الشرقية والغربية.. وإذا كان القرار قد تم اتخاذه بسهولة ويسر.. إلا أن تنفيذه يُعد مما يقارِبُ المستحيل..
فمشروع حفر الخندق مشروع لا يتخيله عقل أبدا.. ذلك أن عمق الخندق يبلغ 5 أمتار.. بينما يصل عرضه في أقل التقديرات إلى خمسة أمتار أيضا .. وبعض الروايات تقول أنه كان من 10 - 12 مترا .. ويبلغ طوله 12 كيلو مترا..
وهذه الأبعاد تدل على أن الأرض المفروض حفرها.. يبلغ حجمها 300 ألف متر مكعب ..!!
ولكي نتصور هذا الجهد المبذول لحفر هذا الخندق العظيم .. فإن أفضل عامل اليوم.. لا تتعدى قدرته على الحفر في اليوم الواحد 5 متر مكعب.. هذا إذا كانت الأرض التي يحفرها أرضا رملية... وبعمق متر واحد فقط.. وكلما زاد العمق .. كلما قلت قدرة العامل على الحفر..
كما أن عدد الصحابة في المدينة المنورة جميعًا 3000 .. وليس من الممكن أن يشتغل جميعهم في الحفر.. فهناك فرق للحراسة... وفرق للخدمة كما يوجد كبار السن.. ومرضى...
ومع ذلك فلو افترضنا أنهم جميعا يعملون في الحفر.. فإنه يستحيل حفر الخندق في الزمن القياسي الذي استغرقه بالفعل.. حيث إنه تم في أسبوعين فقط ..!
خصوصا لو علمنا أن الأرض صخرية .. وليست رملية .. كما كان عليهم نقل التراب المستخرج من الأرض إلى أماكن بعيدة عن الحفر .. هي أيضا مهمة 3000 من الصحابة..
فمن سيحفر ومن سينقل التراب ؟!!
ولو أضفنا أن الخندق متسع في بعض الأماكن إلى أكثر من 5 أمتار .. مع عامل نقص خبرة المسلمين .. فهذه المرة الأولى التي يحفرون فيها خندقا.. ولو أضفنا كثرة الأيدي العاملة.. وتوزعها على 12 كم .. وكيفية إدارتها .. وإذا أضفنا إلى كل ذلك أن هؤلاء يعملون في ظروف بالغة الصعوبة.. من جوع وبرد وخوف من قدوم الأعداء في أي لحظة...
لو تخيلنا كل ذلك .. لتيقنّا أن هذه المهمة كانت مهمة مستحيلة فعلا.. مستحيلة بكل المقاييس وهي بيومنا هذا .. تحتاج لأكثر من 200 رافعة أثقال .. وآلاف المعدات الألكترونية.. وعشرات سيارات النقل الكبيرة..
وهكذا كان مشروع حفر الخندق خرافيا بحق... لكنها بركة الإسلام .. ومرضاة الله ..
والله يعلم .. كيف ذلل الله لهم الصعاب .. أو إن الملائكة قد أعانوا المسلمين في ذلك الأمر .. لكن هذا واقع نراه ونشعر به إلى يوم القيامة.. ما دام هناك أقوام يستحقون نصر الله ...آخذين بأسباب النصر ذاك.
وهكذا تم حفر الخندق العملاق...هذا المشروع الجبار...
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الخميس 12 يونيو 2014, 11:01
ضوابط نجاح حفر الخندق
نجح هذا المشروع تماما.. ولابد أن تكون لهذا العمل الجماعي ضوابط حتى ينجح على هذا المستوى..
فكيف استطاع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إتمام هذا العمل بأكبر فرص النجاح ؟!
فلقد أدار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هذا المشروع بكفاءة غير متخيلة ووضع لنا قواعد نجاح الأعمال الجماعية.. تلك القواعد التي إن أخذ بها المشركون نجحوا في عملهم.. فما بالكم بالمؤمنين الذين يؤيدهم الله سبحانه .. ويبارك خطواتهم ؟!!
الضابط الأول - مشاركة القائد لجنوده
لو شارك القائد جنوده ..فإنهم لا شك سيُخرجون أقصى طاقاتهم وليس ذلك نتيجة خوفهم من القائد.. وإنما نتيجة شعورهم بوجود قضية مشتركة مهمة...
وهكذا كان (صلى الله عليه وسلم) .. وهو النبي المطاع وهو الحاكم لدولة المدينة وهو القائد الأعلى لجيش المسلمين ينزل بنفسه لحفر الخندق مع المسلمين ليس فقط للإشراف على الحفر.. بل يحفر بنفسه.. يضرب بالمعول بنفسه ويحمل التراب بنفسه كاشفًا بطنه حتى لا تعيق الملابس حركته..
هل يمكننا أن نتخيل ذلك؟!
أضف لذلك .. أن الجيش كله يعاني من الجوع.. انتهى ما لديهم من زاد..
يقول (أنس بن مالك) .. فيما رواه البخاري .. عن فترة الخندق مع الصحابة..
"... يؤتون بملء كفي من الشعير (وأنس طفل صغير آنذاك فتخيل كم حجم كفيه) .. فيُصنع لهم بإهالة سنخة (أي دهن تغير لونه وطعمه من القِدم) ثم توضع بين يدي القوم .. والقوم جياع وهي بشعة في الحلق ولها ريح منتن"
هكذا كان أكلهم...
هذا هو طعامهم..
فماذا يأكل القائد إذا؟
يذكر أبو طلحة الأنصاري ....شكونا إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) الجوع .. فرفعنا عن بطوننا عن حجر ...فرفع (صلى الله عليه وسلم) عن حجرين..!
فإذا كان الشعب جائعا.. فإن قائده يعاني من الجوع أكثر منهم.. هذا هو المجتمع الذي ينجح ولا شك في الأعمال الجماعية..
فكثيرا ما نفشل نحن في أعمالنا.. لأننا نستمع إلى خطب رنانة وكلمات براقة تدعو إلى الكفاح.. وبذل الجهد والعمل.. ثم لا نجد من يستثير الحماس ويلقي الكلمات في الخندق مع عامة الشعب بل على العكس نجد الشعب يكدح.. وقادته ينعمون بالراحة الشعب يجوع... وقادته يعانون من التخمة..
فكيف يمكن أن ينجح عمل في وضعٍ كهذا ؟!
يروي لنا (جابر بن عبد الله).. أنه كان عنده طعام قليل جدا (قليل من اللحم والخبز) يكاد لا يكفي لرجلين أو ثلاثة.. ذهب إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. لأنه لاحظ أنه قد أضناه الجوع أكثر من الجميع... فذهب (جابر) يدعوه (صلى الله عليه وسلم) لذلك الطعام مع اثنين من الصحابة ..
فعندما علم (صلى الله عليه وسلم) ...لم يذهب ليأكل مع (جابر) وحده.. بل هتف في الخندق بأعلى صوته.. وقال لهم أن (جابرا) قد أعد لهم وليمة...!
فأسقط في يد (جابر).. وذهب يركض إلى زوجته لتعد الطعام كله...
فقالت له .. هل أعلمته أن الطعام يكفي رجلين أو ثلاثة؟!
قال (جابر) ... نعم..
فقالت.. الله ورسوله أعلم...
سبحان الله منتهى اليقين...!
وجاء رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بـ 1000 من أهل الخندق وبمعجزة من معجزاته (صلى الله عليه وسلم).. أخرج لهم الطعام من البرنة.. والخبز من الفرن.. وأخذ يطعمهم عشرة عشرة.. حتى انتهى منهم جميعا .. ثم أكل هو (صلى الله عليه وسلم) في النهاية..
هكذا يكون الإيثار.. وإنكار الذات تماما.. فلا يرى (صلى الله عليه وسلم) إلا شعبه.. ولا يهتم إلا بهمومهم..
إذن ..أهم ضوابط العمل الجماعي وعلى أي مستوى .. سواء كان العمل هذا العمل مكونًا من ثلاثة، أو عشرة، أو ألف... المهم أن يشارك القائد جنوده...
الضابط الثاني - توزيع الأعمال على الجميع
كثيرا ما تفشل أعمالنا الجماعية.. لأن الذين يقومون بها ويحملون عبئها .. 4 أو 5 فقط أما البقية فمتراخين عن العمل. فلم ير في الصف أحد متراخٍ أو متهاون..
إذ أعطى (صلى الله عليه وسلم) كل رجل .. مسافة أربعين ذراع.. ونهاه أن يأخذها غيره.. وهكذا.. ظل الجميع في عملٍ دءوب.. ما إن يتمه الأول حتى يأخذه الثاني.. حتى ينتهي العمل على أكمل وجه.
الضابط الثالث - الجمع في الإدارة بين الحزم والرفق
يتم وضع حدود وضوابط للعمل والاستئذان عنه.. تلك الضوابط إلزامية على الجميع.. لا يتهاون بها أحد كبيرا أو صغيرا.. والجميع يأتمر بأمر القائد ويخضع لأحكامه.. فلا جماعة بغير إمرة.. ولا إمرة بغير طاعة.. وإذا لم تتضح قضية الطاعة في ذهن العامل.. يفقد العمل الجماعي أهميته..
يقول (صلى الله عليه وسلم) .. في صحيح مسلم عن أبي هريرة ..
"من أطاعني فقد أطاع الله .. ومن عصاني فقد عصى الله ومن أطاع الأمير فقد أطاعني... ومن عصى الأمير فقد عصاني"
فمن ترى يا رسول الله أن العمل لن يتأثر بغيابه.. أو ترى لديه ظرف قهري ..فائذن له أي أن الإذن ليس مجرد إعلام لقائد العمل.. لا .. لأنه قد يتحمل الرفض ويتحمل القبول .. ومع ذلك فهو (صلى الله عليه وسلم) لم يكن يتعسف في استخدام هذا الحق .. بل كان فعلا يأذن لبعض الصحابة إن رأى أن لهم ظرفا طارئا.. فكان (صلى الله عليه وسلم) يجمع بين الحزم والرفق واللطف والرقة في الحديث في نفس الوقت ..
وها هم الصحابة مع رسولهم الكريم أثناء حفر الخندق ينشدون شعر (ابن رواحة)..
ويحفزهم (صلى الله عليه وسلم) وهم يحفرون في البرد والجوع ..
فيقول... "اللهم إن العيش عيش الآخرة .. فاغفر للأنصار والمهاجرة"
فيرد عليه الصحابة ويقولون..
نحن الذين بايعوا محمدا - على الجهاد ما بقينا أبدا ..
وهكذا مع النظام والحزم والترتيب ...تسود مشاعر الألفة والسعادة والمشاركة.. وينجح العمل الجماعي بامتياز.
الضابط الرابع - رفع الهمة وبث الأمل في النفوس
كان الرسول (صلى الله عليه وسلم) يرفع من همة الصحابة في كل المواقف الصعبة هذا كان منهج حياته (صلى الله عليه وسلم) .. وما فعله أثناء حفر الخندق يفوق التصور.. فإنه لم يعطهم أمل في حفر الخنق فحسب تلك المهمة العسيرة.. أو أنهم سيتنصرون على هذه الأحزاب المتجمعة فقط.. أو أنهم سينتصرون على العرب قاطبة.. بل يرفع همتهم لما هو أعلى من أحلامهم.. يزرع بداخلهم الأمل في سيادة العالم بأسره..
فقال (صلى الله عليه وسلم) .. وهو يضرب صخرة صعبة اعترضت الصحابة ...
فأخذ المعول .. فقال "باسم الله" ..
فضرب ضربة فكسر ثلث الحجر ..
وقال "الله أكبر .. أعطيتُ مفاتيح الشام والله إني لأبصر قصورها الحُمر من مكاني هذا"
ثم قال .. "بسم الله" ..
وضرب ضربة أخرى فكسر ثلث الحجر ..
وقال.. "الله أكبر . أعطيتُ مفاتيح فارس والله إني لأبصر المدائن وابصر قصرها الأبيض من مكاني هذا"
ثم قال "بسم الله"..
وضرب ضربة أخرى فقلع بقية الحجر ..
فقال .. "الله أكبر أعطيتُ مفاتيح اليمن والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا"
وهكذا يعلمنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن نعظم من أحلامنا.. ونكبر أهدافنا.. لم تعد قضيته هي الحصار.. أو الدولة المدينة الصغيرة التي يعيشون داخلها الآن.. بل قضيته الكبرى نشر رسالة الإسلام إلى الأرض قاطبة.. وهذه المبشرات ليست أوهاما يعلق قلوبهم بها.. وإنما هي قول من لا ينطق عن الهوى.. ووعد الله الذي لا يخلف الميعاد...
لهذا كله.. نجح الصحابة في حفر الخندق العملاق.. ولم يصبهم اليأس..أو ذرة إحباط بل واصلوا العمل حتى أتموه وفي زمن قياسي.. ونجح المشروع.. لتبدأ المعركة...
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الخميس 12 يونيو 2014, 11:01
غزوة الاحزاب
وصل في شوال ... إلى حدود المدينة المنورة ... 10 آلاف مقاتل مشرك .. من قريش وغطفان وبني سليم وغيرهم..
ولم يكتف رسول الله (صلى الله عليه سلم) بحفر الخندق.. بل جمع الصحابة .. ونظم نقاط الحراسة للخندق.. وفرق للقتال.. وكتائب للمقاومة.. حتى يمنع المشركين من تخطي الخندق تحت أي ظرف... وكان وقع المفاجأة مهولا على المشركين.. فالخندق مكيدة ما عرفها العرب من قبل في فنون القتال.. وهم الذين أعدوا العدة لكل شيء... إلا أمر هذا الخندق المدهش..
فبدأ المسلمون في رشق المشركين بالنبال لكي يمنعوهم من عبور الخندق أو ردمه.. وحاول المشركون بكل ضراوة أن يقتحموا الخندق.. ونجح بعضهم فعلا في العبور من مكان ضيق في الخندق بفرقة .. على رأسها أحد أبطالهم اسمه (عمرو بن عبد ود) .. ومعه (عكرمة بن أبي جهل وضرار بن الخطاب) وغيرهم.. لكن تصدى لهم المسلمون.. حيث حدثت مبارزة رهيبة بين (عمرو بن عبد ود) و (علي).. ثم قتله (علي).. وهرب بقية الرجال الذين جاءوا معه..
ثم تكررت محاولة المشركين مرة واثنتين... وعشرة.. وتصدى الصحابي (أسيد بن حضير ) مع 200 مسلم .. لفرقة (خالد بن الوليد) .. واستطاع أن يردهم منهزمين..
كان الصراع يدور لفترات طويلة ... حتى أنه في أحد الأيام ظل المسلمون يدافعون عن الخندق من قبل صلاة العصر إلى ما بعد المغرب.. فضاعت عليهم صلاة العصر.. وكان هذا الحدث فريدًا في السيرة.. وانزعج المسلمون بشدة لأنهم أضاعوا الصلاة..
فقال (صلى الله عليه وسلم) ..
"ملأ الله عليهم بيوتهم وقبورهم نارا كما شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس"
فكانت المقاومة فعلا شرسة... وأصيب فيها بعض الصحابة.. وطال الحصار. فلم يكن يوما أو اثنين.. ولا أسبوعا أو اثنين.. بل لمدة شهر كامل.. وكان الموقف صعبا على المسلمين.. كما كان صعبا على الكافرين..
وأترككم ... مع رؤيا منامية .. أنعمها الله على الشعراوي .. (رحمه الله) .. وفيها تفاصيل عجيبة للمبارزة بين (عمرو بن ود) و(علي بن أبي طالب) ... وحوار (سعد بن معاذ) معه .. !
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الخميس 12 يونيو 2014, 11:03
خيانة بني قريظة
كان الخندق سببا في تأخير انتصار الأحزاب على المسلمين في المدينة .. وكان المُتقدم منهم للقتال .. أما يُقتل بالسيف .. أو بالنُبل .. فأسقط في أيدي الكافرين.. واحتاروا في كيفية حل هذا الموقف .. حتى جاءهم الحل أخيرا... من طرف اليهود ..
فاليهود .. هم من جمع هذه الأعداد كلها .. وهم من يفكر باستئصال المسلمين ..
فذهب (حيي بن أخطب) أحد زعماء اليهود .. لبني قريظة .. الذين كانوا في الجنوب الشرقي للمدينة .. فلو فتحوا الباب من جهتهم .. لدخل المشركين ..
فماذا يحدث لو حارب بنو قريظة .. مع المشركين ؟!!!
وراقت تلك الفكرة جدا للمشركين .. ولم يتبق إلا إقناع بني قريظة بمخالفة العهد مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..
فذهب (حيي بن أخطب) لأداء مهمته القذرة .. والتقى بزعيم بني قريظة (كعب بن أسد)..
فقال حيي.. إني قد جئتك يا كعب بعز الدهر..جئتك بقريش على قادتها وسادتها.. وبغطفان على قادتها وسادتها.. وقد عاهدوني وعاقدوني على أن لا يرجعوا حتى نستأصل محمدا ومن معه..
قال (كعب) زعيم قريظة .. جئتني والله بذل الدهر.. ويحك يا حيي.. فدعني وما أنا عليه فإني لم أر من محمد إلا صدقا ووفاء..!
لكن حيي ظل يكلم (كعبا) ويزين له..
ثم وعده إن تخلت قريش وغطفان عنه ..أن يدخل معه في حصنه.. ويتحمل معه ما يحدث بعد ذلك.
وتحت تأثير شيطان بني النضير .. وقع شيطان بني قريظة في الفخ .. وقرر التحالف مع المشركين..
وقضى التحالف ليس فقط بفتح باب للمشركين لدخول المدينة.. بل وتجهيز فرق عسكرية للحرب ضد المسلمين..
فهذه كارثة... !
10 آلاف جندي من الأحزاب المشركين في المقدمة .. مع يهود بني قريظة في المؤخرة مسلحين ..
وكأن المسلمين بين فكيّ كماشة .. !
ويجب أن نضع هذا الأمر في اعتبارنا.. لكي نفهم رد فعل الرسول (صلى الله عليه وسلم) على بني قريظة .. لما بدر منهم من خيانة ..
فعلى الفور ...نقلت المخابرات الإسلامية إلى رسول الله نبأ خيانة اليهود له.. فقد كان رسول الله على حذرٍ من اليهود.. لأنهم لا يرقبون في مؤمن إلاًّ ولا ذمة كما قال الله تعالى .. ولذلك وضع عليهم هذه المراقبة...
فهل من قبيل الصدفة .. أن يخون 100% من اليهود في تعاملهم مع الرسول (صلى الله عليه وسلم)؟!
وهل من قبيل الصدفة .. أن يظهر الانحراف في بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة؟
لا شك أن هذه ليست صدفة .. ولا شك أن هذا الواقع لا بد أن ندركه جميعا.. ذكره ربنا في كتابه حيث قال
هكذا في كل مرة.. يجب أن يخونوا... ويغدروا وهذه ليست مصادفة.. هذه قاعدة... وطبيعة متأصلة في نفوسهم... لا عهد لهم ولا ذمة...
وصل الخبر للرسول (صلى الله عليه وسلم) .. وقبل أن يتخذ أي قرار .... أراد أن يستوثق من الخبر.. أرسل مجموعة من الصحابة للتأكد فيهم (سعد بن معاذ.. وسعد بن عبادة.. وعبد الله بن رواحة) وغيرهم..
وقال لهم أمرا في غاية الأهمية..
قال.. "انطلقوا حتى تنظروا .. أحقٌ ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا ؟! فإن كان حقا فالحنوا لي لحنا أعرفه ولاتُفتوا في أعضاد الناس .. وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس.."
هذه هي الحكمة النبوية.. والقيادة الذكية.. فكثيرا ما ينشر المسلمون أخبار خطط وتسليحات وإمكانيات العدو على صفحات الجرائد وشاشات التلفزيون.. فيشعر المسلم المشاهد لذلك أنه لا أمل.. ويحبط.. وييئس من المقاومة.. لكن الرسول (صلى الله عليه وسلم) يعلمنا ... أنه ليس كل ما يعرف يقال..!
ولقد ذهبت المجموعة الإسلامية إلى بني قريظة ولما تكلموا معهم ... جهر يهود بني قريظة بالسوء.. وسبوا الرسول (صلى الله عليه وسلم) ..
وقالوا... من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد...!
فرجع الصحابة بسرعة إلى رسول (صلى الله عليه وسلم).. وقالوا.. عضل وقارة..!
أي غدر كغدر عضل وقارة بالصحابة ...عند ماء الرجيع..
فحزن الرسول (صلى الله عليه وسلم) حزنا شديدا لهذا الخبر .. لدرجة أنه تقنع بثوبه (غطى رأسه بالثوب) ومكث طويلا... وفكر فيما سيحدث..
ثم رفع رأسه فجأة ...وقال للمسلمين بصوت عال.. "الله أكبر .. أبشروا يا معشر المسلمين بفتح الله ونصره"
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الخميس 12 يونيو 2014, 11:03
انتشار خبر خيانة بني قريظة
على الرغم من محاولاته (صلى الله عليه وسلم) لتجنب انتشار الخبر .. إلا أن الله سبحانه .. شاء للخبر أن ينتشر.. وهذا لحكمة واحدة.. هي الابتلاء والتنقية ... والتمييز بين صفوف المؤمنين وصفوف المنافقين. فكل ما حدث من الأحزاب وحصار المدينة ...كان درجة من درجات الابتلاء..
أما الآن ..فقد وصل المسلمون إلى مرحلة الزلزال.. المرحلة التي يزلزل فيها المسلمون زلزالا لا يثبت فيه إلا الصادقون حقا.. أما المنافقون مهما كانت درجة نفاقهم فلا شك أنهم سيقعون..
فانظر .. كيف بدأ الصف المسلم والحمد لله... ينقى من الشوائب... من المنافقين... وهذا كله من مبشرات النصر..
والرسول (صلى الله عليه وسلم) قائد عملي.. يجب أن يأخذ ردود أفعال واقعية..
فالجيش الإسلامي في حراسة الخندق شمال المدينة.. والنساء والأطفال في داخل المدينة... واليهود إلى جوارهم.. فأول ما فكر فيه رسول الله ...إرسال مجموعة من الجنود لحماية النساء والأطفال. وهذا معناه موقف جديد طرأ على المعركة ..
فلقد أصبح الحصار الآن من كل الجوانب .. قريش وغطفان واليهود ..
فماذا يفعل المسلمون ؟!
عليهم إذن فك هذا التحالف العظيم ..
فكيف يتم ذلك الأمر؟
ومع أي جهة يبدأون ؟!
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الخميس 12 يونيو 2014, 11:04
محاولة الرسول فك التحالف
المنطق يقول إن أي محاولة مع قريش لفك التحالف .. ستفشل.. فالعداء طويل.. وهم أصلا لم يأتوا من أجل المال..
وكذلك الوضع مع اليهود.. لأن حقدهم على الرسول كبير جدا.. كما أنهم خونة.. لا يمكن الاطمئنان إلى كلامهم..
إذن لم يتبق إلا غطفان.. هذه القبيلة التي لم تأتِ ناقمة على رسول الله.. وليس بينه وبينها عداء وإنما جاءت من أجل مال خيبر أي أنه من الممكن أن تنسحب.. أو تفك ارتباطها بالباقين إذا أعطيت مالا..
وفعلاً عقد (صلى الله عليه وسلم) لقاء مع زعماء غطفان..(عيينة بن حصن.. والحارث بن عوف).. ولا تذكر المصادر تفاصيل ذلك اللقاء.. لكنه يبدو أنها كنت فرصة... فرصة سريعة جدا.. لدرجة أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) لم يجد وقتا لإشراك الصحابة في اللقاء .. أو أن اللقاء كان على مستوى عال جدا من السرية...
المهم أن اللقاء تم بين الرسول (صلى الله عليه وسلم) ممثلاً للمسلمين.. وبين (عيينة والحارث) من غطفان.. وبعد مشاورات ومداولات استقر الطرفان على إعطاء غطفان ثلث ثمار المدينة لسنة كاملة .. على أن تعود غطفان وتترك حصار المسلمين..
لكن الرسول (صلى الله عليه وسلم) علق هذه المفاوضات على قبول مجلسه الاستشاري للفكرة.. وخاصةً (سعد بن معاذ وسعد بن عبادة) سيدي الأوس والخزرج..!
فلماذا هذان الرجلان بالذات..؟!
أولا .. لأنهما قريبان في مساكنهما في المدينة من غطفان.. وهما أدرى الناس بهم وبما يصلح معهم...
وثانيا وهو الأهم .. أن ثمار المدينة هذه التي ستكون ثمنا لفك الحصار ليست ملكا له (صلى الله عليه وسلم).. وإن كان هو زعيم الدولة.. وإن كان هو النبي (صلى الله عليه وسلم) لكنه يحترم تماما الملكية الشخصية للأفراد... وهذه الثمار ملكية شخصية للأوس والخزرج...
ولهذا بعد اجتماع الرسول (صلى الله عليه وسلم) مع زعماء غطفان قام باجتماع آخر بسرعة مع السعديْن.. (بن معاذ وبن عبادة).. وعرض عليهما الاتفاق الذي وصل إليه مع زعماء غطفان..
وكان رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. يعتقد أن هذا العرض عرض مغرٍ .. لإنقاذ المدينة من الحصار .. وخصوصا بعد مرور شهر على ذلك الحصار .. وليس يوما ويومين ..
فماذا كان رد فعل زعيمي الأوس والخزرج ؟!
لقد رحبا بالعرض بداية...
لكن فجأة .. قال (سعد بن معاذ) بمنتهى الحكمة..
يا رسول الله .. أمرا تحبه فنصنعه.. أم شيئا أمرك الله به لا بد لنا من العمل به.. أم شيئا تصنعه لنا؟!..
!!!!
إذ إنه لو كان أمر من الله أو رسوله ...لما جاز له أن يفكر فيه أو يناقشه أصلا.. فلا بد من السمع والطاعة.. أما إن كان رأيا بشريا ..فيمكننا حينئذ مناقشته... وعرض الرأي فيه..
فقال لهم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..
"بل شيءٌ أصنعه لكم .. والله ما أصنع ذلك إلا لأني رأيتُ العرب رمتكم عن قوس واحدة.. وكالبوكم من كل جانب.. فأردتُ أن أكسر عنكم من شوكتهم" ..
فقال (سعد بن معاذ)...
يا رسول الله... قد كنا وهؤلاء مع الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا نعرفه وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة واحدة إلا قرى أو بيعا أو فيضا.. أفحينما كرمنا الله بالإسلام وأعزنا بك وبه نعطيهم أموالنا؟!.. ما لنا بهذا من حاجة.. والله لا نعطيهم إلا السيف وحتى يحكم الله بيننا وبينهم...
هكذا تكون عزة المسلم...
فأعجب الرسول (صلى الله عليه وسلم) برأي سعد جدا على الرغم من مخالفته لرأيه..
وقال له... "أنت وذاك" ..
فأمسك (سعد بن معاذ) بالصحيفة فمحا ما فيها من الكتاب..
ثم قال... ليجهدوا علينا..
و راسل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) زعماء غطفان...وأعلمهم برأي المجلس الاستشاري ورفض المساومة...
والحقيقة أن رأي السعدين كان في منتهى العمق والحكمة.. وهي ليست نظرة عنترية غير مدروسة ..بل رؤية إستراتيجية رائعة.. فمستقبل المدينة قد يتحدد بهذه المفاوضات .. فليست المشكلة فقد ثلث ثمار المدينة.. لكن المشكلة أن غطفان ستحقق انتصارا غير مقبول على الدولة الإسلامية.. وستهتز صورة الدولة الإسلامية أمامها ..وستهتز أمام الجزيرة العربية بكاملها..
كما أن غطفان ليسوا من الزعماء النبلاء الشرفاء... بل هم مجرد مرتزقة مأجورين.. وسيفتح هذا الباب الابتزاز المستمر للمدينة المنورة كلما احتاجوا إلى مال سيأتونهم ..
أما هذه الوقفة الصلبة الجريئة فإنها ولا شك..ستهز غطفان من الأعماق وبالذات أنهم لا يفكرون إلا في المال والدنيا.. وطالِب الدنيا ضعيف... ضعيف جدا أمام طالب الآخرة.
كما يجب ألا ننسى ..أن ديار غطفان قريبة من المدينة.. وقريش آجلا أو عاجلا ستعود إلى ديارها بمكة.. أما غطفان فباقية ولهذا يجب أن نحافظ جيدا على صورة قوية راسخة أمامهم..
وهكذا كان القرار في منتهى الحكمة.. وأقره الرسول (صلى الله عليه وسلم) دون تردد.. وليعلم الجميع أن الشورى أصل من أصول الحكم في الإسلام..
وكان من الممكن جدا أن يوحي الله بهذا الرأي إلى رسوله مباشرة لكن حدوث هذه القصة بهذه الصورة ..يفتح للمسلمين أبواب الفكر والإبداع .. وأبواب إبداء الرأي لمصلحة الأمة الإسلامية..
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الخميس 12 يونيو 2014, 11:05
ابتلاء سعد بن معاذ
هنا .. أراد الحق سبحانه .. أن يختبر الصدق في كلام (سعد بن معاذ) .. فحدث أمر شاق على المسلمين كثيرا... لكنه لحبيبنا (سعد) .. كان حلُما يتحقق ..
فلقد أصيب (سعد بن معاذ) .. هذا الصحابي الجليل .. بسهم في ذراعه أو كتفه ..
وكانت الإصابة شديدة وخطيرة...
وكانت أزمة فوق الأزمات..
فهو شاب في الـ 37 من العمر ..
وهو زعيم الأوس ..
وحكيم المسلمين ..
وهو المطاع في قومه ..
وهو الحبيب ليس فقط لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. بل لله رب العالمين..
فهو قيمة كبيرة جدا في الإسلام ..
فماذا كان ردة فعل (سعد) لهذه الإصابة ؟!
قال (سعد) يدعو الله ..
"اللهم إنك تعلم إنه ليس أحدا أحب إلي أن أجاهدهم فيك .. من قومٍ كذبوا رسولك وأخرجوه.. اللهم فإنني أظن أنك قد وضعتَ الحرب بيننا وبينهم .. فإن كان بقي من حرب قريش شيء .. فابقني لهم حتى أجاهدهم فيك .. وإن كنتَ وضعت الحرب .. فافجرها .. واجعل موتتي فيها"
سبحانك يا الله ..
شاب عنده 37 سنة ... يرجو الله ألا يموت حتى يجهز على قريش..
ويتمنى ألا يلتئم جرحه لكي يموت شهيدا...
فماذا يفعل شبابنا اليوم .. ممن هم في عمر الـ 37 ؟!!
ثم قال (سعد) كلاما غريبا في آخر دعائه ..
قال ..
ولاتمُتني حتى تقر عينني من بني قريظة .. !
سبحان الله .. حتى في لحظاته الأخيرة لا ينسى غدر بني قريظة.. ولا ينسى هموم الأمة الإسلامية..
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الخميس 12 يونيو 2014, 11:07
جنود الرحمن
تأزم الموقف جدا ... ولم يعد في الصف المسلم أحد من المنافقين.. وبذل المسلمون جهدهم كله.. فحفروا الخندق في وقت قياسي.. وتحملوا في سبيل الله الجوع والبرد.. و حموا الخندق ودافعوا عنه بأرواحهم.. و قاتلوا بضراوة.. وتعبوا .. وكافحوا .. وقاموا بالمشاورات .. واجتهدوا في الدعاء .. لأن النصر من عند الله ..
لكن ..
ماذا كان دعاء المسلمين أيام الأحزاب ؟!
كانوا يقولون ..
" اللهم استر عوراتنا.. وآمن روعاتنا.."
سبحان الله .!
دعاء يبدو لأول وهلة .. أن لاعلاقة له بنصر الحروب .. وهزيمة العدو ... !
وكان (صلى الله عليه وسلم) يقول ..
"اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الأحزاب ..اللهم اهزمهم وزلزلهم"
وبعد أن بذل المسلمون كل طاقتهم... ووسعهم ومحاولاتهم.. يأتيهم نصر الله.. و لا شك.. سيأتيهم بطريقة إلهية.. وترتيب رباني.. حتى يعلم الجميع... ويوقنوا أن النصر من عند الله.. وجاء جنود الرحمن في الأحزاب..
الجندي الأول - نعيم بن مسعود
(نعيم بن مسعود) رجل من المشركين لا يُتوقع إسلامه أبدا في هذا التوقيت بل يكاد يكون مستحيلا.. ذلك أنه من قبيلة غطفان المحاصرة للمسلمين.. فكيف لرجل من الجيش القوي المحاصر للمسلمين.. بعد أن مر شهر على الحصار.. وقد ينهار المسلمين في أي لحظة وخاصة بعد خيانة اليهود.. كيف له أن يترك جيشه القوي لينضم لجيش المسلمين الضعيف المهدد بالانهيار في أي لحظة ؟!
جاء (نعيم بن مسعود) لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..
وقال له .. يا رسول الله.. إني قد أسلمت وإن قومي لم يعلموا بإسلامي.. فمرني ما شئت...!
فقال له (صلى الله عليه وسلم)... "إنما أنت رجل واحد..فخذّل عنا ما استطعت.. فإن الحرب خدعة"
ولم يأمره بشيء يعمله.. لكن يشاء الله سبحانه .. أن يلهمه بفكرة لم ترد على ذهن أحد من المسلمين.. ولا ذهن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) نفسه..
و (نعيم بن مسعود) شخصية معتبرة قيادية معروف عند اليهود وعند قريش.. فذهب مباشرة إلى يهود بني قريظة وقال لهم.. وهم يحسبونه مشركا .. ويعلمون أنه من قادة غطفان.. و له معرفة بواقع الأمور وما يجري خلف الأبواب..
قال لبني قريظة .. قد عرفتم ودي إياكم وخاصة ما بيني وبينكم...
قالوا .. صدقت..
قال .. فإن قريشا ليسوا مثلكم.. البلد بلدكم... فيه أموالكم ونساؤكم وأبناؤكم ولا تقدرون أن تتحملوا منه إلى غيره... وإن قريشا قد جاءوا لحرب محمد وأصحابه وقد ظاهرتموهم عليه... وبلدهم وأموالهم ونساؤهم بغيره فإن أصابوا فرصة انتهزوها... وإلا لحقوا ببلادهم وتركوكم ومحمدا... فانتقم منكم..!
قالوا... وما العمل يا نعيم؟
قال... لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن...
فقالوا.. لقد أشرت بالرأي.
ثم ذهب نعيم إلى قريش مباشرة..
وقال لهم... تعلمون ودي لكم ونصحي لكم...
فقالوا... نعم.
قال.. إن يهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه.. ثم يوالونه عليكم.. فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم...
ثم ذهب إلى غطفان وقال لهم نفس الكلام...
فشعرت قريش بالقلق وكذلك غطفان.. فأرسلوا رسالة سريعة إلى اليهود وبتدبير رب العالمين كانت يوم السبت..
قالت قريش لليهود... إنا لسنا بأرض مقام.. وقد هلك الكراع والخف.. فانهضوا بنا حتى نناجز محمدا..
فاعتلّت اليهود بالسبت وقالوا... لا نقاتل معكم حتى تبعثوا إلينا رهائن.
قالت قريش وغطفان... صدقكم والله نعيم..
فبعثوا إلى اليهود... وقالوا.. إنا والله لا نرسل إليكم أحدا... فانهضوا معنا نناجز محمدا..
فقالت اليهود... صدقكم والله نعيم.
فدبت الفرقة بين الفريقين... وتفتت الأحزاب..
وهكذا.. بحكمة الله وتدبيره.. يُسلم (نعيم بن مسعود) في هذا الوقت.. ويلهمه الله بالفكرة التي ينجح بها في تفتيت الأحزاب ورد كيدهم..
الريح جندي هائل من جنود الرحمن.. وقد بعث الله سبحانه .. ريحا شديدة وقاسية البرودة على معسكر الكافرين .. لم تترك لهم خيمة إلا واقتلعتها.. ولم تترك قِدرا إلا قلبته.. ولم تترك نارا إلا أطفأتها.. ووصلت شدة الريح وخطورتها إلى الدرجة التي دفعتهم لأخذ قرار العودة دون قتال وفك الحصار..
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الخميس 12 يونيو 2014, 11:10
يا ابن اليمان .. قُم
يقول (حذيفة بن اليمان) .. رضي الله عنه ..
أن الناس تفرقوا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليلة الأحزاب .. فلم يبق معه إلا 12 رجلا ..
فأتاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا جاثي من البرد ..
وقال.. "ابن اليمان .. قم فانطلق إلى عسكر الأحزاب فانظر إلى حالهم"
قلت ... يا رسول الله .. والذي بعثك بالحق .. ما قمت إليك إلا حياء منك من البرد ..
قال (صلى الله عليه وسلم) ..
"فابرز الحرة وبرد الصبح .. انطلق يا ابن اليمان... ولا بأس عليك من حر ولا برد حتى ترجع إلي "
فانطلق (حذيفة) إلى عسكرهم ..
فوجد (أبا سفيان) يوقد النار في عصبة حوله قد تفرق الأحزاب عنه ..
فجلس بينهم ..
وظن (أبو سفيان) أنه دخل فيهم غريب ..
فقال (أبو سفيان) من غيرهم قال .. ليأخذ كل رجل منكم بيد جليسه
فضرب (حذيفة) بيده على الذي عن يمينه .. وأخذ بيده ..
ثم ضرب بيده على الذي عن يساره .. فأخذ بيده .. فأمنوه ..
ثم قال (أبو سفيان) ..
يا معشر قريش.. انكم والله ما أصبحتم بدار مقام.. لقد هلك الكراع والخف... وأخلفتنا بنو قريظة.. وبلغنا عنهم الذي نكره... ولقينا من شدة الريح ما ترون.. ما تطمئن لنا قدر.. ولا تقوم لنا نار... ولا يستمسك لنا بناء.. فارتحلوا فاني مرتحل
ثم قام (أبو سفيان) وركب جمله ..
يقول (حذيفة) ..
لولا عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلي ألا تحدث شيئا حتى تأتيني.. لقتلته بسهم..
ثم قام (حذيفة) .. فأتى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. وهو قائم يصلي..
فأومأ (صلى الله عليه وسلم) إليه أن يدنو .. فدنا منه ..
وكأن الله يريد أن يقول لنا .. ليس المطلوب هو أن يكون قتال .. وتسيل دماء .. المطلوب هو العمل .. المطلوب هو تحقيق النصر .. المطلوب هو قرار الجهاد المطلوب هو الثبات في أرض المعركة المطلوب هو صفات الجيش المنصور.. أما النصر ... فينزل بالطريقة التي يريدها رب العالمين.. وفي الوقت الذي يريده..
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الخميس 12 يونيو 2014, 11:11
أهمية غزوة الأحزاب
استمرت غزوة الأحزاب شهرا كاملا..
وكانت فيها أحداث كثيرة مثيرة ومتشعبة..
ثم انتهت الغزوة برحيل المشركين وأعوانهم ..
وانتصار المسلمين على قلتهم وضعفهم انتصارا عجيبا،..
ومع ذلك ... سمعنا تعليقا عجيبا أيضا من رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعد الأحزاب..
أثبتت الأيام بعد ذلك مدى عمقه وقدرته على وصف الأحداث...
إذ قال (صلى الله عليه وسلم).. "الآن نغزوهم ولايغزونا .. نحن نسيرُ إليهم"
وفعلا بانتهاء غزوة الأحزاب استقر الوضع في المدينة المنورة..
وما عادت تخاف من أي تهديد..
وما فكر أعداء الله في غزوها بعد ذلك..
بل كانت الجيوش الإسلامية تخرج منها إلى كل مكان في الجزيرة العربية وخارج الجزيرة...
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الخميس 12 يونيو 2014, 11:17
الرؤيا التى قصها اثناء تفسيره سورة الأحزاب
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الخميس 12 يونيو 2014, 11:19
غزوة بني قريظة
إن كانت قصة الأحزاب قد انتهت ..
فقصة بني قريظة وخيانتهم للمسلمين في أحلك الظروف .. لم تنته ..
فقد رجع الرسول (صلى الله عليه وسلم) من الخندق بعد صلاة الصبح ..
وذهب إلى بيته بعد غياب قرابة الشهر..
فإذا بجبريل (عليه السلام) قد جاء عند الظهر ...
فقال له (جبريل) ... " قد وضعتَ السلاح؟! والله ما وضعناه"..
أي نحن الملائكة لم نضعه بعد من غزوة الأحزاب ..
ثم قال له (جبريل) .. "اخرج إليهم"
فقال (صلى الله عليه وسلم)... "فأين ؟!"
فأشار (جبريل) .. باتجاه بني قريظة .. !
وفي رواية ... أن (جبريل) قال .. "فإني سائرٌ أمامك أزلزل بهم حصونهم .. وأقذف في قلوبهم الرعب"
وهكذا سار (جبريل) في موكبه من الملائكة..
أما الرسول (صلى الله عليه وسلم) ...
فقد أمر المسلمين بالتوجه السريع إلى بني قريظة..
لم يمهلهم حتى يرتاحوا بعد هذا الشهر الصعب من الحرب والحصار..
فالراحة هناك في الجنة ..
أما الدنيا فدار عمل..
فقال لهم (صلى الله عليه وسلم) .. "لايصلينّ أحدكم العصر إلا في بني قريظة"
الله أكبر .. !
همة عالية وعزيمة عظيمة ... !
وهكذا اجتمع الرسول (صلى الله عليه وسلم) والصحابة في 3000 مقاتل (غير الملائكة) ..لحصار بني قريظة ..
واستمر الحصار .. 25 ليلة ..
فكيف نتصور أن يستمر الحصار كل هذه المدة...
بعد جهد ومشقة كان المسلمون فيها منذ شهر بأكمله...
ومع ذلك ما زال بوسعهم أن يحاصروا اليهود..
ويتحولون من محاصَرين إلى محاصِرين..
لكن ..
ما بينَ طرفة عينٍ وانتباهتها - يبدّل الله من حالٍ إلى حال ِ
نهاية الحصار وتحكيم سعد بن معاذ
وفي نهاية ذلك الحصار .. قذف الله الرعب في قلوب اليهود.. فاستسلموا وخضعوا لحكم رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. مع أن كان بإمكانهم المطاولة في الحصار..
ثم أمر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بهم أن يقيدوا.. فجاءت الأوس إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. وكانوا محالفين لبني قريظة في الجاهلية..
فقالوا...:يا رسول الله.. قد فعلتَ في بني قينقاع ما قد علمت..وهم حلفاء إخواننا الخزرج... وهؤلاء موالينا.. فأحسن فيهم..
فقال (صلى الله عليه وسلم) .. " ألا ترضون أن يحكم فيهم رجلٌ منكم؟!"
قالوا.. بلى.
قال (صلى الله عليه وسلم) .. "فذاك إلى سعد بن معاذ"..
فقالوا .. قد رضينا ..
فأرسل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في طلب (سعد بن معاذ).. لأنه كان في المدينة.. بسبب إصابته البالغة التي تعرض لها في الأحزاب.. فجاء راكبا حمارا.. فالتف حوله الأوس..
وقالوا له.. يا سعد.. أجمِل في مواليك.. فأحسن فيهم.. فإن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قد حكمك لتحسن فيهم..
و (سعد) ساكت لا يرجع إليهم شيئا...
فلما أكثروا عليه .. قال... لقد آن لسعد ألا تأخذه في الله لومة لائم.. !
فلما سمعوا ذلك منه ... رجع بعضهم إلى المدينة .. فنعى لهم القوم..
ولما انتهى (سعد) إلى النبي (صلى الله عليه وسلم)..
قال (صلى الله عليه وسلم) للصحابة .. "قوموا إلى سيدكم"
فلما أنزلوه قالوا... يا سعد.. إن هؤلاء قد نزلوا على حكمك...
قال.. وحكمي نافذ عليهم؟
قالوا... نعم.
قال... وعلى المسلمين؟
قالوا.. نعم.
قال.. وعلى من هاهنا؟
وأعرض بوجهه وأشار إلى ناحية رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إجلالا له وتعظيما..
فقال (صلى الله عليه وسلم).. "نعم .. وعليّ" ..!
قال (سعد) .. فإني أحكم فيهم أن يقتل الرجال.. وتسبى الذرية.. وتقسم الأموال..!
فقال (صلى الله عليه وسلم).. "لقد حكمتَ فيهم بحكم الله من فوق سبع سموات"
وعلى الفور .. بدأ المسلمون بتنفيذ حكم (سعد) .. فجمعوا الرجال... فقتلوهم.. وكانوا 400 يهودي .. وقيل 700 .. وقُتل مع هؤلاء شيطان بني النضير .. أحد أكابر مجرمي معركة الأحزاب.. (حيي بن أخطب)..
وكان (حُيي) قد دخل مع بني قريظة في حصنهم ..حين رجعت عنهم قريش وغطفان وفاء لـ (كعب بن أسد) بما كان عاهده عليه ... أيام غزوة الأحزاب..
فلما أتي به.. وكان عليه حُلّة قد شقها من كل ناحية بقدر أنملة لئلا يُسلَبها.. ويداه مجموعة إلى عنقه بحبل..
فقال (حيي) لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. أما والله ما لمتُ نفسي في معاداتك.. ولكن من يُغالب الله يُغلب...!
ثم التفت للناس فقال .. أيها الناس.. لا بأس بأمر الله.. كتاب وقَدَر وملحمة كتبها الله على بني إسرائيل..
ثم جلس.. فضُربت عنقه... فقُتل..
الوحيد الذي نجى من عقاب بني قريظة .. هو اليهودي (عمرو بن سعدى).. وهذا الرجل لم يدخل مع قومه حينما غدروا برسول الله (صلى الله عليه وسلم).. أي أن القتل كان للغادرين فقط.. فمن لم يغدر معهم... لم يقتله المسلمون.. فرآه الصحابي (محمد بن مسلمة) قائد الحرس النبوي .. فخلى سبيله حين عرفه..
وفي رواية ذكرها أبن كثير .. رحمه الله ..
أن (عمرو بن سعدى) حين مر على ديار بني النضير .. وقد صارت يبابا ليس بها داع ولا مجيب..
وقد كانت بنو النضير أشرف من بني قريظة ..
قال الواقدي ...حدثنا إبراهيم بن جعفر ... عن أبيه ... قال..
لما خرجت بنو النضير من المدينة.. أقبل (عمرو بن سعدى) فأطاف بمنازلهم فرأى خرابها .. وفكر ثم رجع إلى بني قريظة فوجدهم في الكنيسة.. فنفخ في بوقهم .. فاجتمعوا ...
فقال (الزبير بن باطا) له .. يا أبا سعيد .. أين كنت منذ اليوم لم نرك؟
وكان لا يفارق الكنيسة ...وكان يتأله في اليهودية ..
قال (عمرو) .. رأيتُ اليوم عِبرا قد عبرنا بها .. رأيتُ منازل إخواننا خالية بعد ذلك العز والجلد .. والشرف الفاضل والعقل البارع .. قد تركوا أموالهم ... وملكها غيرهم .. وخرجوا خروج ذل ... ولا والتوراة ما سلط هذا على قوم قط لله بهم حاجة .. وقد أوقع قبل ذلك بابن الأشرف ذي عزهم.. ثم بيّته في بيته آمنا .. وأوقع بابن سنينة سيدهم وأوقع ببني قينقاع فأجلاهم ... وهم أهل جد يهود وكانوا أهل عدة وسلاح ونجدة.. فحصرهم فلم يخرج إنسان منهم رأسه حتى سباهم ... وكلم فيهم .. فتركهم على أن أجلاهم من يثرب..
ثم قال (عمرو) ... يا قوم .. قد رأيتم ما رأيتم ... فأطيعوني وتعالوا نتبع محمدا فوالله إنكم لتعلمون أنه نبي .. قد بشرنا به وبأمره ابن الهيبان أبو عمير ... وابن حراش وهما أعلم يهود جاءانا يتوكفان قدومه .. وأمرانا باتباعه.. جاءانا من بيت المقدس .. وأمرانا أن نقرئه منهما السلام .. ثم ماتا على دينهما ودفناهما بحرتنا هذه..
فأسكتَ القوم فلم يتكلم منهم متكلم .. ثم أعاد هذا الكلام ونحوه ... وخوفهم بالحرب والسباء والجلاء ..
فقال (الزبير بن باطا).. والتوراة قرأت صفته في كتاب باطا.. التوراة التي نزلت على موسى ليس في المثاني الذي أحدثنا..
فقال له (كعب بن أسد).. ما يمنعك يا أبا عبد الرحمن من اتباعه ؟
قال ... أنت
قال (كعب).. فلم .. والتوراة ما حلت بينك وبينه قط ؟
قال (الزبير).. بل أنت صاحب عهدنا وعقدنا ... فإن اتبعته اتبعناه .. وإن أبيت أبينا
فأقبل (عمرو بن سعدى) على (كعب) ... فذكر ما تقاولا في ذلك..
إلى أن قال (كعب).. ما عندي في أمره إلا ما قلت ...ما تطيب نفسي أن أصير تابعا..!
وفاة سعد بن معاذ
ما انتهت قصة بني قريظة ...
حتى استجاب الله لدعوة العبد الصالح (سعد بن معاذ)..
فانفجر جرحه ..
وسالت منه الدماء حتى خرجت من خارج خيمته ..
ليلقى ربه سعيدا راضيا...
ويكفيه ما قاله (صلى الله عليه وسلم) في حقه كما جاء في البخاري..وفي الصحيحين ..عن جابر ...
أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال
"اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ"
وفي صحيح الترمذي من حديث أنس قال..
لما حملت جنازة (سعد بن معاذ) ... قال المنافقون: ما أخف جنازته فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم).. "أن الملائكة كانت تحمله"
فتصور ..
قيمة هذا العبد المسلم في الإسلام ..وعند المسلمين .. وبين الملائكة ...وعند الله ..
رغم أن عمره في الإسلام .. لم يتجاوز الـ 6 سنوات ..
لكن فعل ما عجز عن فعله الكثيرون .. في سنوات طوال ..
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الخميس 12 يونيو 2014, 11:20
محاولة اغتيال أبو سفيان
خرجت سرية .. في هذا الشهر..
فكانت وجهتها إلي مكة المكرمة عقر دار قريش ..
ومهمتها في غاية الخطورة .. وهي اغتيال (أبي سفيان) شخصيا..
وكانت هذه السرية ردا على تجميع أبي سفيان للجموع الضخمة لحصار المسلمين في الأحزاب
ومحاولة إهلاك أهل المدينة جميعا..
وكذلك ردا على محاولة (أبي سفيان) لاغتيال الرسول (صلى الله عليه وسلم)..
عندما أرسل أعرابيا إلى المدينة لهذا الغرض لكن محاولته فشلت ..
لكن ..
يشاء الله أن تفشل محاولة السرية الإسلامية لاغتيال (أبو سفيان) ..
والحمد لله أنها فشلت في ذلك..
لأنه أسلم بعد ذلك وحسن إسلامه..
وبعد هذه الحادثة ..
علمت قريش أنها مهددة بجدية في عقر دارها..
ولا شك أن ذلك أفزع زعماءها جدا..
لأن الزعماء من أهل الدنيا لا يرون أن هناك شيئا أغلى من حياتهم وكراسي حكمهم..
فإذا فقدوها كانت لهم الطامة الكبرى...
قتل سلام بن أبي الحقيق
بدأ الرسول (صلى الله عليه وسلم) الجهاد في سبيل الله ... مباشرة بعد رحيل الأحزاب.. وخصوصا ضد أولئك الذين جيشوا الجيوش لإبادة المسلمين ..
فكان منهم (أبو سفيان) .. و(حيي بن أخطب).. ومنهم اليهودي (سلام بن أبي الحقيق) ..
فأرسل (صلى الله عليه وسلم) سرية لاغتيال (سلام) .. وكان يسكن في خيبر .. تبعد بـ 150 كم شمال المدينة .. وكانت السرية بقيادة (عبد الله بن عتيك) .. وكامل مقاتلين تلك السرية من الخزرج .. ولم يمض على الأحزاب حتى شهر .. !
ونجحت تلك السرية في مهمتها .. وتخلص المسلمون من رأس كبير من رءوس الفتنة وكانت خسارة فادحة لليهود.. خصوصا بعد مقتل بني قريظة ..
وكان لا بد للرسول (صلى الله عليه وسلم) أن يستغل هذه النجاحات المتتالية ..
فقام (صلى الله عليه وسلم) بنشر القوات الإسلامية في الجزيرة العربية كلها .. لتأديب وعقاب القبائل الذين اشتركوا في إيذاء المسلمين قبل ذلك.. ورصد التجمعات التي تجمع من جديد لحرب المسلمين.
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الخميس 12 يونيو 2014, 11:21
سرية محمد بن مَسلمة
بدأت هذه السرية بمجرد ما عادت سرية (عبد الله بن عتيك) من خيبر ..
بعدما نجحت في قتل اليهودي (سلام بن أبي حقيق) ..
فخرجت سرية (محمد بن مسلمة) إلى منطقة تعرف بالقرطاء على بُعد أكثر من 300 كم من المدينة..
وكانت هذه السرية موجهة إلى قبيلة ..( بني بكر بن كلاب)..
وهي من قبائل نجد التي اشتركت في حصار المدينة في غزوة الأحزاب..
كانت هذه السرية .. مكونة من 30 فارسا فقط ..
إلا أنها حققت نتائج عظيمة لاتتناسب مع عددها الصغير .
فقد ألقى الله سبحانه الرعب في قلوب بني بكر..
وفر معظمهم ..
وتفرقوا في الصحراء..
وقُتل منهم 10 ..
وأخذ (محمد بن سلمة) الباقي أسرى .. مع عدد كبير من الإبل والشياه ..
150 من الإبل .. و3000 من الشياه ..
فارتفعت هيبة المسلمين ..
وتحسن الوضع الاقتصادي في المدينة المنورة..
مفاجأة (ثمامة بن أثال)
بعدما عاد المسلمون من أرض نجد ... أسروا رجلا كان بالمنطقة..ولم يكونوا يعرفونه.. وأتوا به إلى المدينة ..
ثم فوجئوا أن هذا الرجل هو (ثمامة بن أثال الحنفي) ... سيد بني حنيفة وهو من أعظم وأكبر زعماء العرب في ذلك الوقت.. وكانت هذه نقطة إيجابية في هذه السرية.. ليس فقط للصيد الثمين الذي وقع في يد المسلمين.. لكن للآثار الحميدة مع هذا السرية التي ترتبت على الإمساك بهذا السيد الكبير..!
ولننظر ماذا حدث مع هذا الأسير...
فلقد ربطه المسلمون في سارية من سواري المسجد النبوي.. وخرج له رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
وسأله .. "ما عندك يا ثمُامة؟!"
ولنتخيل حلم الرسول (صلى الله عليه وسلم).. وهو يخاطب رجلا .. يعلم أنه جاء من أقصى البلاد ليقتله...!
فما عندك يا ثمامة؟ ... و ماذا تتوقع مني يا ثمامة؟
فقال (ثمامة)... عندي لك خير يا محمد ..
ثم عرض على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. 3 أمور ..
قال... إن تقتل .. تقتل ذا دم ..
يعني إن قتلتني فورائي قبيلة كبيرة ... وهي قبيلة بني حنيفة ستأخذ بثأري..ولن يضيع دمي هدرا..
"وإن تنعم ...تنعم على شاكر"
يعني لو أطلقت سراحي فسأحفظ لك هذا الجميل وأشكره لك...
"وإن كنت تريد المال ....فسل تُعط ما شئت"
يعني إن طلبت المال كفدية سنعطيك منه ما تشاء...
وكان (ثمامة) من أغنى أغنياء العرب.. تخيل هذا العرض... والمدينة في حالة من أشد حالات الفقر..
لكن ..
آثر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ألا يرد عليه سريعا في هذه الاختيارات وتركه مربوطا في سارية المسجد ... يشاهد حركة المسلمين وتعاملهم وصلاتهم ودروسهم.. ويرى واقعهم وحياتهم وطبيعة العلاقة بين الحاكم والمحكومين وبين الأخ وأخيه.. تركه يرى الإسلام بصورة واقعية ..
ثم عاد إليه في اليوم التالي ...
فسأله (صلى الله عليه وسلم) .. نفس السؤال .. "ماعندك ياثمامة؟!"
فرد عليه بنفس الرد وعرض عليه الأمور الثلاثة...
فتركه (صلى الله عليه وسلم) مرة أخرى..
ثم جاء له في اليوم الثالث..
وقال له (صلى الله عليه وسلم)... "ماذا عندك يا ثمامة؟!"
فرد ثمامة بنفس الرد.
هنا اختار الرسول (صلى الله عليه وسلم) أحد الاختيارات الثلاثة فما هو؟ ..
لقد وجد (صلى الله عليه وسلم) ..أن (ثمامة) رجلا عاقلا سيدا شريفا زعيما .. ووراءه رجال وأقوام هو سيدهم.. ثم إنه (صلى الله عليه وسلم) ...لاحظ انبهار (ثمامة) بحياة المسلمين وبطبيعة دينهم..
كما كان (صلى الله عليه وسلم) .. يدرك أن إسلام هذا الرجل محتمل ...لذلك قدم المعروف.. وكان إسلام هذا الرجل أحب إليه (صلى الله عليه وسلم) من أموال الدنيا ..
لذلك اختار رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .. أن يطلق سراح (ثمامة).. هكذا بغير فداء.. أملاً في أن يكون كلام (ثمامة) كلام صدق ... عندما قال (إن تنعم تنعم على شاكر)..
وهذا التصرف في حسابات أهل الدنيا من السياسيين ...يعتبر غير مفهوم .. فالرسول (صلى الله عليه وسلم) يحكم دولة فقيرة .. تخرج من أزمة اقتصادية طاحنة ولو كان الرسول يريد الأموال الطائلة لطلبها .. لكنه (صلى الله عليه وسلم) لم يكن يفكر في الدنيا .. بل في استنقاذ (ثمامة) من براثن الكفر إلى جنة الإيمان.. ولعل قبيلته تُسلم من بعده .. ولا يفقه ذلك إلا سياسي مؤمن بالله...!
وقد كان (ثمامة) عند حسن ظن رسول الله (صلى الله عليه وسلم)... فقد خرج مسرعا من المسجد النبوي بعد فك قيوده وانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل عنده وواضح أنه كان قد سأل عن كيفية الإسلام... لكنه لم يرد أن يسلم وهو في القيد.. لكي لا يتهم بالنفاق أو خوفا من الأسر.. فانتظر حتى أطلق (صلى الله عليه وسلم) سراحه.. ثم اغتسل وجاء بنفسه مختارا إلى رسول الله (صلى الله عليه وسلم)... وأعلن إسلامه بين يديه...!
إنها إرادة الله ....
وفراسة النبي (صلى الله عليه وسلم) بإسلام هذا الصحابي الجليل...
فتحول (ثمامة) من زعيم يتبعه الناس ...إلى تابع مطيع لدينه الحق..
إنه الإيمان العميق ومن أول يوم في إسلامه .. يقف ثمامة في خشوع أمام رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
ليقول ..
أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله.. يا محمد.. والله ما كان على الأرض وجه أبغض إلـي من وجهك.. فقد أصبح وجهك أحب الوجوه إلي.. والله ما كان دين أبغض إلي من دينك.. فأصبح دينك أحب الدين إلي.. والله ما كان بلد أبغض إلي من بلدك... فأصبح بلدك أحب البلاد إلي...
سبحان مقلب القلوب .. !
وهكذا في لحظات ... تبدلت المشاعر والأحاسيس والأمنيات والأهداف لـ (ثمامة بن اثال .. وهذا هو أثر المعاملة بالحسنى.. والعفو.. والتسامح.. والرفق.. والحُلم..
المغربي المراقبون
عدد المساهمات : 1622 تاريخ التسجيل : 27/01/2014
موضوع: رد: سيرة سيد الخلق الخميس 12 يونيو 2014, 11:22
أثر إسلام ثمامة على قريش
جاء (ثمامة) لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ..
فقال له .. يا رسول الله... إن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة... فماذا ترى؟ ..
وكان (ثمامة) يريد أن يعتمر... فأمره (صلى الله عليه وسلم) بالذهاب إلى مكة..
فلما ذهب إلى مكة وعرف المشركون بإسلامه ..
قال له أحدهم .. صبأت؟!
أي تركت العبادة الصحيحة ...
فقال... لا والله... ولكني أسلمت مع محمد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)..
أي إن ما كنت عليه من عبادة الأصنام كان هو الباطل.. أما الآن فقد آمنت حقيقة لا صبوت...
ثم أخذ قررا في منتهى الجرأة والأهمية والتضحية ..
فقال مخاطبا زعماء قريش...
لا والله لا يأتيكم من اليمامة حبة حنطة ..حتى يأذن فيها النبي (صلى الله عليه وسلم)..!!
الله أكبر .. !
قرار عجيب.. قرار مقاطعة اقتصادية كاملة لأقوى قبيلة عربية في المنطقة.. وفعل ذلك لأن تلك القبيلة معادية للإسلام والمسلمين..
وهذه شجاعة .. لأنه سيواجه قريش كلها .. بكل قوتها ورجالها وسلطتها وعلاقاتها وتاريخها...
وكانت اليمامة هي المصدر الرئيس لشعير وخبز مكة.. حتى كان يطلق عليها ريف مكة فهذا القرار فيه إيذاء كبير لمصالح مكة.. وحصار اقتصادي لها مروع. إنه قرار يحمل تضحية كبيرة من (ثمامة).. ليس فقط سيواجه زعماء مكة أو يفقد علاقات مهمة.. لكن سيفقد كذلك ثروات ضخمة لأنه تاجر يعتمد على البيع والشراء.. أما الآن فقد قرر أن يخسر هذه الأموال .. ويخسر هذه العلاقات ...وذلك كله في سبيل الله..
فقد آثر (ثمامة) التجارة مع الله ... ويا لها من تجارة رابحة بإذن الله ..